غطرسة القوة تقضي على الأنظمة... انظروا ماذا حدث لنظام مبارك

نشر في 10-02-2018
آخر تحديث 10-02-2018 | 00:00
 عبداللطيف المناوي منذ سبع سنوات، وفِي مثل هذه الأيام، وتحديداً في 11 فبراير، سقط نظام مبارك، ولأن الماضي لا يغيب بمرور الوقت، ويتكرر أحيانا بفارق الزمن والأحداث ونوعية الأخطاء، فقد يكون مناسباً أحيانا استحضار ما حدث في محاولة للتحليل والفهم، وأيضاً التذكير.

النظام السابق خلقَ بنفسِه لنفسِه أزماتٍ، نتيجة أسلوب الإدارة، وفي مراتٍ عدة، خلقَ أعداءً من الفراغ، وحوَّل حلفاءَ إلى أعداء له، نتيجةَ قِصر النظر، الذي تمكَّن من كثير من اللاعبين الأساسيين في ملعب السياسة والأمن داخل النظام، وفي الوقت نفسه، خلَقَ وحوشاً، ظنَّ أنَّها تكفيه معارضيه، فاستحالتْ تلك الوحوش عبئا عليه، بل تسببتْ في خسارته حلفاء عديدين، وتحويل عدد آخر إلى معسكر الأعداء.

كنتُ شاهدا على العديد من هذه المواقف، كانت قناعتي أن الأمور تتجه إلى التعقيد، وأن إدراك القائمين على إدارة الأزمة لأبعادها أقلُّ كثيراً من حقيقتها، وأنهم يراهنون على عدة عناصر، منها الاقتناع بتلك القوة الرادعة والمسيطرة لجهاز الأمن، بقيادة وزير الداخلية حبيب العادلي، الذي نقل دائما الإحساس بالثقة إلى كل مستويات الدولة، وعلى رأسها الرئيس مبارك نفسه، وبدا هذا واضحا أثناء الاحتفال الأخير بعيد الشرطة، وكان العادلي حريصا على أن يترك المعلوماتِ مبهمةً حول العدد الفعليّ لقوات الأمن المركزي، المكلَّفة بالحماية ومكافحة الشغب، وقد تركَ للناس إعمال خيالهم، حتى أنَّ البعض قدَّرها بنحو مليون ونصف المليون، في حين كشفتْ الحقائق فيما بعد، أنَّ عددهم لم يتجاوز مئة وخمسة وسبعين ألف جندي، ولكنْ أن يعيش الناس في أوهام الأرقام الكبيرة للأمن، هو عاملُ ردعٍ وتخويفٍ.

العامل الثاني، الذي راهن عليه مديرو الأزمة، هو التجارب السابقة لتلك الجماعات المعارضة، من مظاهرات وإضرابات، لم تسفر إلا عن أخبار صحافية وتلفزيونية، وإنشاء جماعاتٍ جديدةٍ، تحمل اسم الحدثِ، أو تاريخه، وقد كانت قناعتهم أن هذه الأزمة يمكن أن تكون مناسِبةً، لكشف هذه الجماعات، ومعرفة قوتها وحجمها الحقيقيين، لتنكشف أمام الناس، ويواجهوا أنفسهم، ويبدو أن هذا كان قناعةَ كلِّ هؤلاء، وقد نقلوا تلك القناعة إلى الرئيس مبارك شخصيا، وهذا ما لمستُه من طبيعة الاتصالات، التي كانت تجرى أمامي مع المستويات القيادية المختلفة في البلد.

العامل الثالث، الذي كان ساكنا نفوسَهم دون أن ينطقوا به، هو ذلك الإحساس، بل تلك القناعة بأنَّ المصريين لن يثوروا، وأنهم بطبيعتهم يرضون بما قسمه الله لهم، بل وصل تقدير البعض، وهم داخل الدائرة الضيقة للحكم، أن قال لي، منتقدا أسلوب إدارة الدولة، رغم وجوده داخلها في تلك الفترة، قال: إنهم يتعاملون مع الشعب باعتباره جثةً هامدةً لن تحرك ساكنا، وهذا ما أمَّن عليه عددٌ آخر من القريبين من مركز صنع القرار وإدارة الأزمة.

وقامت القائمة، ووجد القائمون على الأمور أنفسهم في مأزق بسبب التقييم غير الموفق للأصوات التي كانت تتعالى في هذا الوقت، دفع القائمون على الأمر ثمن عدم الإنصات لصوت الشارع، واكتفى بإجراءات اعتاد صنعها في الأزمات التي كان قد خلقها في السابق.

أساليب الحصار والإجراءات المقيدة لحركة الأحزاب والقوى المدنية في مصر في تلك المرحلة من تاريخها تسببت في إحداث حالة ضعف مزمن في كل الأحزاب ولم يكن يدرك هؤلاء أنهم بإضعاف الأحزاب المعارضة المدنية إنما يتركون الساحة واسعة، لصعود تيار المعارضة الدينية والتي تمثلت في الأساس في جماعة "الإخوان المسلمين".

ودفعت مصر ثمن هذا الإضعاف المتعمد لقوى المعارضة المدنية بأن وصلت إلى تلك الصورة المشوهة للخريطة السياسية المصرية وقتها، حزب واحد قوي حاكم، يضم كل من يمكن ضمه، حتى أنه سرت نكتة في الشارع المصري بأنه لم يبق للحزب الوطني إلا أن يضم محمد أبو تريكة وهو أشهر لاعب كرة قدم في مصر في تلك الفترة، وأحزاب معارضة ضعيفة منشقة على نفسها نتيجة هذا الضعف ونتيجة التدخلات الأمنية والسياسية في محاولات لشق صفوف هذه الأحزاب، ومعارضة دينية متمثلة بالإخوان المسلمين الذين استطاعوا أن يصعدوا بفضل ضعف أصوات المعارضة للحزب الحاكم، وأغلبية صامتة قررت أن تطلق العمل السياسي وألا تقحم نفسها فيه.

back to top