النحات ناثان دوس: أعظِّم دور الفراغ في منحوتاتي

• يرى أن تجارب النحت فردية قائمة على عراك الفنانين في مراسمهم

نشر في 08-02-2018
آخر تحديث 08-02-2018 | 00:00
هل بإمكاننا أن ننحت الرياح أو البحر؟ وماذا يمثِّل الفراغ للفنان؟ تساؤلات طرحها معرض الفنان ناثان دوس في القاهرة بعنوان «طرح الفراغ»، وفيه يعظِّم قيمة الفراغ في منحوتاته، إذ يرى أن الفراغ الكوني أضخم من الكتلة.
دوس أحد أبرز النحاتين في مصر، له أعمال مميزة عدة تقوم على تفريغ الكتلة والبحث في صافي فراغ التمثال، وهو يؤكد من خلال تجاربه النحتية ضرورة أن يحيا الفنان في حالة بحث، طارحاً على نفسه أسئلة عدة عن جدوى العرض، وأهميته، والجديد الذي سيقدمه للمتلقي. فيما يلي حوار معه.
أخبرنا عن معرضك الأخير، وكيف ترى رسالته على مستوى الفن والمتلقي؟

رسالتي في معرضي الأخير هي أن العمل الفني ليس تفكيراً مجرداً. حتى لو كانت معالجته الفنية مجردة، ولكن تحمل مشاعر. ضم المعرض 28 قطعة نحتية من 33 قطعة، إذ لم تستوعب القاعة الأعمال كافة.

أتعامل مع المعرض على أنه بحث في فراغ التمثال، فيخرج بكتلة مفرغة، وهذه المنطقة منحتني الفرصة كي أعكس محتوى مختلفاً، وأتخلص من خط الأرض ومركز الثقل والجاذبية ووضعية الرؤية. مثلاً، الكرة المعروضة يمكن أن تعرض في ست وضعيات. أطرح على نفسي أحياناً أسئلة عدة، من بينها ماذا بعد التمثال الجميل؟ هل أنحت الرياح أو البحر، أو...؟

تشكيل الفراغ

تلعب في أعمالك على الفراغ، فما الذي يثيرك في هذا الجانب؟

فن النحت ثابت وجامد، وأنا أعظِّم دور الفراغ، وأرى أن الفراغ الكوني أضخم من الكتلة. استخدمت خامة البرونز لأنها تجعلني أفكر بليونة، لأن طبيعتها سبيكة معدنية، من ثم بإمكان الأعمال أن تكون رفيعة أو نحيفة، وأستطيع ان أتجاوز بها الفراغ أو العرض، فضلاً عن أني أسبك أعمالي بنفسي.

وهل سبكك أعمالك بنفسك استعراض لمهارتك أم أنك تخشى أن تصل بطريقة مختلفة عما تقصده في حال تولاها آخرون؟

ليس استعراض مهارة، ولكن خامة البرونز مكلفة جداً. كي أسبك تمثالاً لا بد من أن أدفع مبلغاً كبيراً، فكان لا بد من أن أسبك بنفسي، فضلاً عن أن منحوتاتي صعبة السباكة وربما يؤولها غيري بشكل مختلف.

ولكن ألا تتفق معي على أن تعدّد المسابك أدى دوراً في ازدهار حركة النحت؟

السباكة عبء على الفنان بتكلفتها. ومع تعويم الجنيه أصبحت الأزمة أكبر، إذ ارتفع سعر الخامات والعمالة. فضلاً عن أن تجارب النحت فردية وليست تحت مظلة الدولة، وتقوم على عراك الفنانين الأحرار في مراسمهم.

لماذا يطغى الحجم الصغير على غالبية منحوتاتك؟

الحجم الكبير مكلف جداً، ويستغرق مجهوداً أكبر، فضلاً عن أن التنوع في الأفكار تظهر الأحجام صغيرة.

عاطفة العقل

ماذا عن معرضك «عاطفة العقل»، وهل هو امتداد لمعرضك «طرح الفراغ»؟

تخللت المعرض السابق إرهاصات للمعرض الراهن. البحث مستمر سواء في الفراغ أو خارج محيط التمثال، وهذا ما أكدته في المعنى من خلال نحو 10 أعمال.

قدّمت تمثالين لرجل وامرأة، هل ثمة رسالة معينة أردت إيصالها من خلالهما؟

الرجل والمرأة في دورة الحياة يمثلان دائرة سواء كانا متوافقين أو مختلفين. عرضت تمثالاً لسيدة في وضع عار وغطيت جسدها بالحروف، كي أقول إن ثقافتنا العربية تقهر المرأة وتحجبها أو تسبيها في الحرب، فلا تحصل على حقوقها على عكس المرأة الأوروبية.

كيف تعد لمعارضك؟

أبقى في الأتيليه إلى أن تأتي الفكرة، فأروّضها لتأخذ شكلاً نحتياً، وأسأل نفسي أسئلة صعبة حول إمكان نحت الحلم أو الرياح أو المياه، وماذا بعد التمثال الجميل؟ أسئلة أجعلها صعبة على نفسي. مثلاً، أحد الأعمال في المعرض الحالي، ولد يرتدي جناحاً من أغصان وكرتون، ويحاول ضبط الجناح الآخر، عنونته «نحو الحلم»، هو يهتم بحلمه، وأنا أقول «أهتم بحلمك حتى لو من خامات بسيطة كالأغصان والكرتون».

ألا ترى أن عنونة أعمال معرضك ربما تقوض قراءة المتلقي لها؟

الأسماء تخصني، لأني أنا من يناشدها، أو هي سبب الفكرة، وبالطبع لو سأل المتلقي حول أمر فأجيبه شارحاً له تجربتي. لا أعمل في المطلق بأعمال تجريدية، ولكن وبالضرورة أقدم قيمة للمتلقي العادي.

بمتابعة معارضك نجدك تمجد فكرة العمل.

أتحدث إلى التمثال، وأتعاطف مع أبطالي، وأكسبهم صفة الطفولة. أجعلهم متفاعلين مع الأعمال التي يظهرون فيها. أحد التماثيل يحمل الدقيق في رمزية إلى الخير، وتجد بين الأعمال الحداد الذي يصنع المنجل، والمزارع الذي يبذر الحبوب، كذلك بائع الجرائد، إلخ.

لماذا اخترت النحت ليكون واجهتك نحو الإبداع؟

لديَّ علاقة بالنحت منذ الطفولة. كنت أنحت بالطين الأسود والخامات والأحجار والخشب بحكم نشأتي في إحدى قرى ملوي بمحافظة المنيا. كانت للحجر والحيوانات وغيرهما مكانة لدي، وتأكد ذلك بعد الدراسة في كلية التربية الفنية.

ماذا عن رؤيتك للمشهد التشكيلي عموماً؟

أرى أن ثمة نهضة، ولكنها أيضاً عزف فردي. بعض النماذج جاد، وثمة من يستسهلون. في مجال التصوير، نجد مجرد معالجات تصويرية عادية للسطوح، فيما يقدم آخرون ابتكاراً جاداً. وفي النحت تقف حرية بعض الفنانين عند معالجة الشكل. وللأسف لديهم الجرأة على عرض أعمال ستذهب إلى مزبلة التاريخ. إذا لم يشتغل الفنان على العرض ضمن تجربة لها حيثيات من فكرة وبحث وغيرهما، فلمَ العرض؟

جيل التسعينيات والقضايا التشكيلية

ينتمي الفنان ناثان دوس إلى جيل التسعينيات الفني في مصر، يقول: «ثمة فنانون يقع على كاهلهم عبء الحركة وتطويرها. سعيد بانتمائي إلى هذا الجيل المفصلي في الحركة التشكيلية المصرية، لأن الجيل السابق عليه كان مرتبطاً بفكرة الأصالة، فرسم القاهرة الفاطمية والمرأة ذات الملاءة اللف، وعرض لفن تسجيلي من البيئة، بينما جيل التسعينيات كان لديه تطلع نحو الحضارة الغربية وفنون الميديا الحديثة وعبَّر عن القضايا المعاصرة بمعالجة معاصرة مختلفة عن الجيل السابق الذي كان ينكب على الواقعية الاشتراكية، والفلاح، والسد العالي. هذا تسجيل تاريخي وليس فناً. الفن عندما يتخلّص من أهدافه الموجهة كتمجيد الزعيم، ويعبر عن القضايا لذاته يكون أكثر ثقة».

وعن مدى تأثره بالحركة التشكيلية وأساتذته في الفن، يقول: «تأثرت بالحركة التشكيلية المصرية والعالمية، وأساتذتي كثر منهم من مصر صبحي جرجس، وعبد الهادي الوشاحي، وآدم حنين، وصبري ناشد، وعلى المستوى العالمي هنري مور. وأريد أن أصنع لنفسي طريقاً خاصاً بي».

تعويم الجنيه رفع أسعار أدوات النحت
back to top