الوحدة... كيف تتغلّب عليها بخطوات بسيطة؟

نشر في 07-02-2018
آخر تحديث 07-02-2018 | 00:02
No Image Caption
الوحدة تجربة إنسانيّة تؤثّر في المرء بشكلٍ سلبي تماماً كأيّ مرضٍ جسدي. صحيح أنّها أمر طبيعيّ، ولكن إذا راودك هذا الشعور وقتاً طويلاً، فقد تتأثّر صحّتك سلباً. تقول الكاتبة الأميركيّة فاني هاو: «الوحدة رفيقٌ غير مدعوٍّ ولا مختار يتسلّل إلى جانبك». إذاً كيف نتخطّاها؟
يعرّف علماء النفس الوحدة بطرائق عدة ويقسّمونها غالباً إلى فئاتٍ بحسب مدّتها. ويتّفق معظمهم على أنّها تبقى شعوراً مؤذياً وغير مرغوبٍ به، مع أنّها تجربة إنسانيّة مشتركة، من ثم تؤثّر في الصحّة الجسديّة كما العقليّة سلباً.

كذلك لاحظت دراسات حديثة أنّ الوحدة تؤثّر في عمل الجهاز المناعي، وتلحق الضرر بنوعيّة النوم، وتعرّض المرء لخطر الإصابة بأمراض القلب.

أشارت دراسة أجريت العام الماضي إلى أنّ الوحدة «تزيد بشكلٍ ملحوظ خطر الموت المبكر» أكثر من عوامل صحية أخرى. ووجد استقصاءٌ استهدف راشدين يبلغون 45 من العمر وأكثر في الولايات المتّحدة الأميركيّة أنّ نحو ثلث المجيبين يُعتبر «وحيداً». كذلك أشارت تقارير تركّز على أطفال وراشدين شباب إلى عيش نسبة كبيرة من المجيبين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و25 سنة الوحدة. أخيراً، تزعم إحدى الدراسات التي نالت اهتمام وسائل الإعلام أنّ البشر يشعرون بأكبر قدرٍ من الوحدة عند بلوغهم 35 سنة من عمرهم. باختصار، يبدو أنّ لا فئة عمريّة بمنأى عن عيش هذه العاطفة المدمّرة.

اعترافٌ وتصدٍّ

تخصّص جون كاتشوبّو، أستاذ خدمة متميّز في «تيفاني أند مارغريت بلايك» في جامعة شيكاغو، في الوحدة والسبب وراء اختبار المرء لها، وكيف تؤثّر فيه، وما العمل للتصدّي لها؟ يقول في هذا المجال إنّ مجتمعنا تطوّر ليعطي أهمّيّة أكثر للنزعة الفرديّة والاكتفاء الذاتي، ما يدفع بالأشخاص غالباً إلى العزلة ورفض الاعتراف بالوحدة عندما يختبرونها. ويشرح: «لا نسمع الناس يتحدّثون عن شعورهم بالوحدة لأنّ الأخيرة موصومة على أنّها تعادل على المستوى النفسي كون الفرد فاشلاً في الحياة أو ضعيفاً، وهو أمر مؤسف فعلاً، لأنّه يعني ميلنا إلى نكران شعورنا بالوحدة، وهو ليس أمراً منطقيّاً أكثر من نكران شعورنا بالجوع أو العطش أو الألم».

بالنسبة إلى البروفسور كاتشوبّو، كلّ ما يقوم به النكران زيادة حدّة الشعور بالوحدة، فيؤدّي أحياناً إلى اتّباع استراتيجيّات تأتي بنتائج عكسيّة، كالسعي أكثر وراء العزلة. من هنا، تكمن الخطوة الأولى نحو محاربة التأثير السلبي الناتج عن هذه الحالة العاطفيّة في تحديد أنّ ما نشعر به هو الوحدة. ويتابع: «أمّا الخطوة الثانية فتنصّ على فهم ما تحاول الوحدة فعله لدماغنا وجسمنا وسلوكنا». يحذّر: «شعورنا بالعزلة أمرٌ خطير، كوننا كائنات اجتماعيّة، فيدخل دماغنا في نمط الحفاظ على الذات، ويجلب معه تأثيرات مجهولة وغير مرغوبٍ بها على أفكارنا وتصرّفاتنا تجاه الآخرين».

حين نعترف بمشاعرنا ونفهم أنّها تحمل تأثيراً خطيراً في صحّتنا العقليّة والجسديّة، كما في سلوكنا، ينصحنا البروفسور كاتشوبّو بالردّ على شعورنا بالوحدة من خلال إقامة علاقاتٍ وتوطيدها. ويشرح: «يمكننا تعزيز روابطنا عبر تطوير علاقتنا مع شخصٍ نثق به ويمكننا التحدّث إليه عن أيّ أمرٍ، وهو في المقابل يبادلنا الثقة ذاتها. كذلك بإمكاننا تعزيز الروابط العلائقيّة ببساطةٍ من خلال مشاركة أوقاتٍ جيّدة مع الأصدقاء والعائلة، من دون إلهاءات. أخيراً، نوطّد علاقاتنا الجماعيّة عبر الانخراط في أمر أكبر من ذاتنا، فلم لا نفكّر في التطوّع في نشاطاتٍ نستمتع بها؟».

ابتعد عن مواقع التواصل

ربّما تشكلّ مواقع التواصل الاجتماعي الحلّ الأوّل الذي يتبادر إلى ذهننا حين نكون وحيدين؛ ويبدو أنّها علاج سهل وسريع. مع هذا، تشير دراسات عدّة إلى أنّ شبكات التواصل على الإنترنت تزيد شعورنا بالوحدة والعزلة رغم أنّها توهمنا بكثرة علاقاتنا.

نُشرت دراسة العام الماضي في American Journal of Preventive Medicine (المجلّة الأميركيّة للطبّ الوقائي) بعدما وجدت ارتفاع الشعور بالعزلة لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مقارنةً بمن يخصّصون وقتاً محدّداً للشبكات الإلكترونيّة.

في كتاب Alone Together (وحدنا معاً)، تناقش عالمة النفس الاجتماعي شيري تيركل أيضاً كيف يزيد فرط الاتّصال بمواقع التواصل الاجتماعي انفصالنا عن بعضنا بعضاً في حياتنا البعيدة عن الإنترنت. وتفسّر تيركل: «تزداد توقّعاتنا من التكنولوجيا فيما تقلّ من بعضنا البعض، وأسأل نفسي: لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحدّ؟ أعتقد أنّ السبب مناشدة التكنولوجيا لنا خصوصاً حين نكون في قمّة ضعفنا، ونحن ضعفاء ووحيدون لكنّنا نخاف من الحميميّة».

لنشكّل شبكة دعمٍ حقيقيّة تساعدنا في إبقاء الوحدة بعيدةً عنّا، لا بدّ من النظر خارج حاسوبنا وأجهزتنا المحمولة لتعزيز روابطنا بعائلتنا وأصدقائنا ومجتمعنا. كذلك ينصحنا عالم النفس غي وينش بمواجهة مخاوفنا وشكوكنا واتّخاذ أول خطوة نحو التواصل مع الآخرين أو إعادة الاتّصال بهم، فيقترح علينا أن نبعث برسائل إيجابيّة بدلاً من سلبيّة، فضلاً عن وضع أطرٍ زمنيّةٍ واضحةٍ للمناسبات الاجتماعيّة.

على سبيل المثال، يُرجّح أن تكون عباراتٌ مثل «اشتقت إليك، ما رأيك في أن نشرب القهوة معاً يوم الأحد ونتحدّث؟» فاعلة أكثر من «لم أعد أعلم إن كنّا لا نزال صديقين».

ثمّة سببٌ آخر يجعل التواصل وجهاً لوجه أفضل من ذاك الذي يُقام عبر الإنترنت وهو ببساطةٍ حاجة البشر إلى التواصل الجسدي ليشعروا بالارتياح، حسب هيلينا باكلوند وايسينغ من جامعة شمال ولاية نيويورك للطبّ في مدينة سايراكيوز. بالتأكيد هذا لا يعني أن نلمس الغرباء عشوائيّاً في الشوارع، بل الإمساك بيد أحد الوالدين أو طفلٍ، أو معانقة صديق، ما يفعل العجائب لصحّتنا العقليّة. كذلك يُعتبر اللمس أداة للتواصل وتوجيه رسائل عن حالتنا العاطفيّة.

يساعدك وجود حيوانٍ أليف

عندما يغيب التواصل البشري، تشير دراساتٌ إلى الفائدة التي يقدّمها الاستمتاع بوجود صديقٍ من الفرو. اكتشفت دراسة أجريت العام الماضي أنّ وجود كلبٍ في المنزل يقلّل خطر الموت المبكر، خصوصاً لدى من يعيشون وحدهم، ويصادف أنّهم من الفئة الأكثر عرضة للشعور المنهك بالوحدة.

كذلك وجد بحثٌ سابق أنّ من يملكون حيواناً أليفاً يتمتّعون بحياةٍ اجتماعيّةٍ ومهارات تواصلٍ أفضل، ويشاركون أكثر في أنشطة المجتمع.

الحيوانات رائعة من ناحية الشروع بمحادثات، والاهتمام بحيوانٍ أليف، عبر أخذه في نزهة أو إلى الطبيب البيطري، يحبط قلّة الحركة ويوفّر فرص اللقاء بأشخاصٍ جددٍ.

إذا بدا لك الاهتمام بحيوانٍ كبير، ككلبٍ أو قطٍّ، عملاً شاقّاً ومكلفاً، لم لا تفكّر في بديلٍ صغيرٍ وقليل الضجّة غالباً ورخيص، كالسمكة؟ فقد أظهرت دراسة عام 2016 تراجعاً في الاكتئاب وتحسّناً في الوظائف الإدراكيّة لدى مسنّين أوكلت إليهم مهمّة رعاية زيز على أنّ هذه الحشرة حيوانهم الأليف، وذلك في غضون ثمانية أسابيع من بدء الاختبار. نذكر أنّك تستطيع أيضاً التطوّع في مأوى حيوانات أو تعرض على أصدقائك أو معارفك الاهتمام بحيواناتهم الأليفة عندما يذهبون في عطلة، فتستمتع بالفوائد ذاتها وتحسّن علاقاتك الاجتماعيّة.

أعد كتابة قصّتك

إذا كنت عاجزاً عن الهروب من وحدتك، ما يضاعف شعورك بالعزلة، حاول إذاً تحويل هذا الوقت الذي تمضيه وحيداً إلى خلوة واستخدمها لصالحك. عندما تكون بعيداً عن الآخرين، لم لا تغتنم الفرصة لتمضية بعض الوقت مع نفسك، فتتعرّف إلى شخصك بشكلٍ أفضل وتتخلّص من التوتّر وتنمّي مهارات جديدة، أو تطوّر القديمة منها؟

تعلّم تقدير هذا الوقت الذي تمضيه مع نفسك على أنّه فرصة لتصادق ذاتك قبل أيّ أمرٍ آخر.

تسلّط دراسة شارك في تأليفها عالم النفس أيمي روكاتش، الضوء على أنّ «القبول والتأمّل» طريقة لتحويل تأثير الوحدة السلبي إلى سلوكٍ أكثر إيجابيّة. يعرّف المؤلّفون هذه المقاربة على أنّها «استغلال فرصة كونك وحيداً لتصبح على علمٍ بمخاوفك وتمنّياتك واحتياجاتك كأبرز وسيلةٍ للتعامل مع الوحدة».

يشرح روكاتش وزملاؤه أنّنا حين نتعلّم الترحيب بالوحدة واستخدامها لمصلحتنا، نتجنّب العزلة وتأثيراتها السلبيّة. ويتابع: «تشير نتائج الدراسة الحاليّة إلى أنّ الخلوة (أي الترحيب بالوحدة على عكس العزلة) تساعد في التعامل بشكلٍ فاعلٍ مع ألم العزلة، فتتوقّف محاولات نكران الوحدة، من ثم تعزيز قبولها باعتبارها حالة بشريّة وجوديّة وحتميّة أحياناً».

في كتاب Addressing Loneliness (معالجة الوحدة)، يضيف باحثون أنّ التأمّل اليقظ مفيدٌ في هذا السياق نظراً إلى أنّه «يقلّل الشعور الذاتي بالوحدة عبر تخفيف الوظائف المعرفيّة اللاتكيّفيّة»، على حدّ قولهم.

إذا كنت تشعر بالوحدة، لعلّها فكرة جيّدة أن تحضّر لنفسك كوباً من الشاي وتضع موسيقى تأمّلٍ مهدّئة وتستمتع بفرصة مصادقة نفسك أوّلاً. تشجّع تيركل في خطابها ضمن TED talk: «ابدأ بالنظر إلى الوحدة على أنّها أمرٌ جيّدٌ، وأفسح المجال أمامها»، مشيرةً إلى أنّ تعلّم الراحة مع أنفسنا فحسب يساعدنا في خرق الوحدة وتحسين علاقاتنا بالآخرين».

لنشكّل شبكة دعمٍ حقيقيّة تساعد في إبقاء الوحدة بعيدةً عنّا لا بد من النظر خارج حاسوبنا وأجهزتنا المحمولة
back to top