مستقبل الحروب وأخطار انتشار الأسلحة النووية

نشر في 03-02-2018
آخر تحديث 03-02-2018 | 00:00
في ثلاثينيات القرن الماضي كان يعتقد على نطاق واسع أن الغارات الجوية على المدن سوف تحقق دماراً يكفي إلى دفع العدو إلى الاستسلام بشكل شبه فوري، وتبين أن ذلك التوقع كان صحيحاً في أعقاب اختراع الأسلحة النووية بعد عقد من الزمن.
في ماضي الأيام كانت التوقعات المتعلقة بمستقبل الحروب تولي اهتماماً كبيراً للتقنيات الحديثة وعقيدة القتال، وفي القرن التاسع عشر أقنع الانتصار السريع الذي حققه جيش بروسيا على فرنسا في سنة 1870 الأركان العامة الأوروبية بأن الحشد السريع للقوات عبر الخطوط الحديدية والمدفعية والتركيز على الهجوم سوف يجعل الحروب قصيرة وحاسمة. وقد وضعت تلك الأفكار أمام الاختبار ابان الحرب العالمية الأولى وأثبتت الحرب التي جرت على الجبهة الغربية أن تلك الأفكار كانت خطأ.

وفي ثلاثينيات القرن الماضي كان يعتقد على نطاق واسع أن الغارات الجوية على المدن سوف تحقق دماراً يكفي إلى دفع العدو إلى الاستسلام بشكل شبه فوري. وتبين أن ذلك التوقع كان صحيحاً في أعقاب اختراع الأسلحة النووية بعد عقد من الزمن. وعندما أظهرت الولايات المتحدة في حرب الخليج الأولى في 1990-1991 ما يمكن أن تحققه عمليات الرصد والذخيرة الدقيقة والتوجيه والاستطلاع والاتصالات الفضائية والاستخبارات وتقنية الشبح افترض الكثير من الناس أن الغرب سوف يتمكن دائماً في المستقبل من التعويل على انتصارات سريعة ولكن بعد الهجمات الارهابية على أميركا في 11 سبتمبر 2001 اتخذت الحروب مساراً مختلفاً.

وسوف يطرح هذا التقرير توقعاته التي سوف تقتصر على العشرين سنة المقبلة فقط. وخلال نصف القرن الماضي أصبحت الحروب بين الدول نادرة بصورة زائدة كما اختفت بين القوى العظمى وحلفائها بشكل شبه تام بسبب وجود قوة تدميرية متبادلة نتيجة وجود أسلحة نووية وقيود قانونية دولية وتراجع الشهية للعنف في المجتمعات المزدهرة بصورة نسبية. ومن جهة أخرى ازدادت الحروب الأهلية وخاصة في الدول الهشة الفاشلة وبرهنت على استمرارية لفترة طويلة، ثم أن تغير المناخ والنمو السكاني والتطرف الطائفي أو الاثني ضمن استمرار مثل تلك الحروب.

تراجع المنافسة العسكرية

وحتى مع عدم احتمال حدوث حروب بين الدول على نطاق واسع بين القوى العظمى

لا تزال هناك فرصة لأشكال أقل حدة من المنافسة العسكرية. وتبدو الصين وروسيا بشكل خاص أبعد عن الرغبة في قبول الهيمنة الأميركية الدولية التي كانت إحدى حقائق الحياة خلال عشرين سنة بعد نهاية الحرب الباردة. وكان للدولتين مصلحة في تحدي النظام الدولي الذي ترعاه الولايات المتحدة كما أظهرتا في الآونة الأخيرة استعدادهما لتطبيق القوة العسكرية من أجل الدفاع عما تعتبرانه مصلحتهما المشروعة: روسيا من خلال ضم شبه جزيرة القرم وزعزعة استقرار أوكرانيا والصين عبر بناء جزر اصطناعية عسكرية واستخدام القوة في نزاعات مع جاراتها في جنوب وشرق بحار الصين.

وفي العقد الماضي أنفقت روسيا والصين بكثافة على القدرات العسكرية الواسعة لمواجهة قدرة الولايات المتحدة على استعراض القوة ضد الحلفاء المهددين.

التهديد النووي

ويرجع السبب الرئيسي وراء محاولة القوى العظمى تحقيق أهدافها السياسية بعيداً عن الحرب إلى التهديد النووي، ولكن ذلك لا يعني أن «توازن الرعب» الذي ميز الحرب الباردة سوف يستمر كما كان الحال في الماضي. وتقوم روسيا وأميركا بتحديث قواتهما النووية بتكلفة عالية وتوسع الصين ترسانتها النووية ولذلك فإن الأسلحة النووية سوف تستمر موجودة حتى نهاية هذا القرن على الأقل. ويتمتع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب بقدر قليل من التلويح بالسلاح النووي بطرق مختلفة.

وتخشى روسيا والصين من أن تسمح التقنية المتقدمة للولايات المتحدة بتهديد ترسانتهما النووية من دون اللجوء إلى ضربة نووية أولى. وكانت أميركا تعمل على فكرة تعرف باسم الضربة التقليدية العالمية منذ أكثر من عقد من الزمن، وتقضي هذه الفكرة بتوجيه رؤوس نووية تقليدية عالية الدقة بسرعة تفوق سرعة الصوت. والمهمات المحتملة تشمل مواجهة أسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية واستهداف مراكز القيادة والتحكم للعدو ومهاجمة المنشآت النووية في دول مارقة مثل كوريا الشمالية وقتل ارهابيين مهمين.

وتقول روسيا والصين إن الضربة التقليدية العالمية يمكن أن تكون مزعزعة إلى درجة عالية إذا استخدمت بالتزامن مع دفاعات صاروخية متقدمة، وفي غضون ذلك، تقوم الدولتان بتطوير أسلحة مماثلة خاصة بهما.

وحيال التقدم والسعي إلى استخدام الروبوتات القاتلة والأسلحة الفتاكة الذاتية التشغيل، ظهرت دعوات تنادي بحظر مثل هذا الاستخدام، ومن غير المحتمل تطبيق هذا الحظر، ولكن توجد مساحة للجدال حول كيفية تفاعل البشر مع آلات قادرة على التمتع بدرجات متفاوتة من الاستقلالية مع البقاء في مركز القرار بالنسبة إلى إطلاقها أو الآلات التي تنفذ مهامها بصورة مستقلة من دون تدخل البشر. وتصر المؤسسات العسكرية في الغرب على وجوب مشاركة البشر في مثل تلك العمليات بصورة دائمة، ولكن البعض من الدول قد لا يوافق على ذلك إذا تعارض مع التقدم العسكري.

ويتم تطوير مثل هذه التقنيات في شتى أنحاء العالم ومعظمها في القطاع المدني ولذلك فإنها سوف تنتشر وتتكاثر. وفي سنة 2014 أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن «ثالث عملية تعويض استراتيجية» والتي تهدف إلى استعادة التقدم العسكري من خلال تجهيز طائفة من التقنيات بما في ذلك أنظمة الروبوتات ذاتية العمل والمعلومات الواسعة مع القيام بذلك بطريقة أسرع وأكثر فعالية من الخصوم المحتملين.

ولكن حتى أشد أنصاره يعلمون أن الغرب قد لا يتمكن مطلقاً من التعويل على تقنيته الحربية الفائقة من جديد.

حملة لمنع الروبوتات القاتلة

يعلم العالم ماذا يعني العيش في ظل وجود أسلحة نووية كما توجد علامات استفهام أكبر حول كيفية تأثير التقدم السريع في الذكاء الاصطناعي والتعليم العميق على طرق خوض الحرب وربما حتى على طريقة تفكير الناس عنها.

ويتمثل القلق الأكبر في إمكانية اختراع التقنيات الحديثة لأنظمة أسلحة ذاتية التشغيل تستطيع توجيه ضربات تقتل الناس من دون توجيه من جانب مالكها.

وتسعى حملة يطلق عليها اسم «حملة منع الروبوتات القاتلة» إلى حظر الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل حتى قبل اختراعها، وفي سنة 2015 تم توقيع رسالة في هذا الشأن تحذر من دخول سباق تسلح في ميدان الأسلحة الذاتية التشغيل من قبل أكثر من ألف خبير في ميدان الذكاء الاصطناعي بمن فيهم ستيفن هوكنغ وايلون ماسك وديميس هاسابيس.

back to top