وثيقة لها تاريخ : الشيخ مبارك للمقيم البريطاني: ناكس بمنزلة الأخ عندي نحترمه ونوقره

نشر في 02-02-2018
آخر تحديث 02-02-2018 | 00:05
باسم اللوغاني
باسم اللوغاني
نستكمل اليوم ما ورد في وثيقة الشيخ مبارك الصباح عام 1906، التي أرسلها إلى المقيم البريطاني في الخليج الميجر كوكس، والتي جاءت رداً على استفسارات كوكس بخصوص عدد من القضايا في المنطقة.

أثار كوكس في رسالته، التي تناولناها على مدى ثلاث مقالات، قضية الخلاف بين الشيخ مبارك والمعتمد البريطاني في الكويت القبطان نوكس أو ناكس، كما ورد في الوثيقة، فردَّ الشيخ مبارك على ذلك بقوله إنه يكنُّ للدولة البريطانية ومندوبها في الكويت كل احترام وتقدير، فقال: "آمرتم بخصوص محبنا المفخم قبطان ناكس، الذي هو عندي بمنزلت (منزلة) الأخ فنحنا (فنحن) دائماً إنشالله (إن شاء الله) نحترمه ونوقره الوقار الجليل".

وأوضح بعد ذلك، أن الاحترام والتوقير للكابتن نوكس إنما ينبع من أمرين أساسيين، هما: احترام الدولة البريطانية أولاً، ثم الاحترام الشخصي له ثانياً، فقال بكلماته الدبلوماسية: "بين وجهين؛ الأول خدمة وطاعة منا إلى الدولة البهية، والوجه الآخر أيضاً لشخصه لأجل مجاورته"، أي أن وجوده في الكويت إنما هو من قبيل الضيافة، والضيف له احترام وتقدير، كما هو الجاري في عادات العرب.

واستطرد الشيخ مبارك بالقول إنه يعتبر نفسه تحت إمرة بريطانيا، ولن يرد لها طلباً، وإن الاختلاف لا يتعدى ولا يتجاوز حدود الرأي والفكر، كما أنه متيقن أن الكابتن نوكس سيدرك مع مرور الوقت صحة موقفه المبني على المصالح المشتركة بين الدولتين. ورغم أن كلمات الشيخ مبارك جاءت بسيطة وخالية من التعقيد، فإنها تعكس لنا ذكاءه السياسي، وحنكته في التخاطب مع دولة عظمى مثل بريطانيا في ذلك الوقت. كما تعكس أيضاً استقلاليته في اتخاذ الموقف السياسي، دون التسفيه أو التقليل من رأي الجانب الآخر، وهو مبدأ سياسي تمارسه الدول منذ سنوات طويلة. يقول الشيخ مبارك: "وإني أيضاً جاعل نفسي مأموراً مثله (أي نوكس) لجانب الدولة البهية، فإذا أن نرا (نرى) من حظرت (حضرة) قبطان ناكس أشياء مخالفة ليس معتمدها، بل هو ما عرف حقيقتها أني أفاوض بالأمور، وأنتبه، ومع هذا، ولو اشتبه له وكتب عند حظرتكم (حضرتكم) العالية بعدها يعود لنظرنا يتبين له أن أكون أمرتم أني مخلصكم دائماً تحت أنظار الدولة بالرأفة والمرحمة، ذلك ثابت عندي بحسن استقامتي (التزامي) وخلوصي (إخلاصي) لجانبها العالي ومحبتي لطرفكم (لجانبكم)".

وهكذا، نستنبط مما ورد في رسالة الشيخ مبارك، أنه مفاوض بارع يسعى إلى تهدئة الطرف الثاني، باستعمال كلمات فيها خضوع واستسلام، لكنه في الوقت نفسه يتشبث بموقفه، ويؤكد أنه على صواب، وأن الطرف الثاني سيدرك صحة موقفه، إن عاجلاً أو آجلاً.

في الأسبوع المقبل، سنتناول بقية الرسالة الجميلة، وسنشرح ما قاله الشيخ مبارك بخصوص العلاقات مع آل الرشيد، وتطورات الأوضاع معهم.

back to top