ونواصل الرحلة

نشر في 30-01-2018
آخر تحديث 30-01-2018 | 00:09
 يوسف عبدالله العنيزي في يوم الأربعاء الماضي الموافق 17/ 1/ 2018 جلست في أحد أطراف الحديقة، وتركت للذهن الانطلاق لاستعادة بعض الذكريات، بالتأكيد ليس بهدف أن ننكأ جراح الماضي ولكن لنستعيد ذكرى بعض الأحداث المهمة، ففي تاريخ السابع عشر من يناير لعام 1991، وفي مساء ذلك اليوم كنت في مكتبي بمقر البعثة الدبلوماسية، حيث كنت أتولى منصب سفير دولة الكويت لدى جمهورية الجزائر الشقيقة، وفجأة سمعت في الدور الأرضي أصوات هتاف شباب من بعض الجنسيات العربية تحمل قضبان من الحديد والخشب والحجارة وغيرها، وبدؤوا بتكسير كل ما تناله أيديهم، وذلك احتجاجا على بدء عملية عاصفة الصحراء لتحرير دولة الكويت الغالية من قوات الغزو الغادر.

وبينما كنت أهم بالنزول وإذا بالأخ العزيز رياض الخلف المسؤول عن الشؤون الإعلامية بالسفارة يأتي مسرعا من الدور الأرضي ويسحبني من يدي ويدخلني في غرفة صغيرة بجانب مكتبي نستعملها كمخزن للقرطاسية، ثم قفل الباب وأخذ المفتاح معه قائلا: "أرجوك سعادة السفير اجلس هنا بهدوء حتى آتي لفتح الباب"، جلست في ذلك المكان الكئيب والمظلم في حين كانت أصوات الهتاف والتكسير تقترب، ودارت في ذهني الكثير من الأفكار، فهل كتب عليّ أن أسلم الروح في هذا المكان بعيداً عن وطني وأهلي؟ وهل قدري المحتوم سيكون بيد هؤلاء ثوار القومية والوحدة العربية؟

لا أدري كم من الوقت مضى، سمعت بعدها الأخ رياض يفتح لي الباب وقد بدأ عليه التأثر والقلق، ذهبت مباشرة إلى مكتبي فوقفت مذهولاً من هول ما رأيت من تخريب وتكسير، وفجأة سمعت الهاتف يرن وعندما رفعت السماعة وإذا المتحدث سمو الشيخ ناصر المحمد الجابر الصباح، حفظه الله، يتصل من مدينة الطائف، وكان يتولى في ذلك الوقت منصب وزير دولة للشؤون الخارجية، وقد أبلغني سموه بأنه سمع أخبار اقتحام السفارة من بعض محطات التلفزيون الفرنسية، وعليه فقد اتصل- جزاه الله خيرا- للاطمئنان على أوضاعنا، فأبلغت سموه، حفظه الله، بأنناجميعا بخير ولله الحمد، مع الشكر الجزيل على حرصه بالاطمئنان على سلامة أبنائه وإخوانه العاملين في بعثات الكويت بالخارج، وبشكل خاص في ظل هذا الاحتلال الغاشم.

وقد مررت بأحداث ليست بعيدة عن هذا الحدث، ففي مساء يوم التحرير المجيد بتاريخ السادس والعشرين من شهر فبراير عام 1991، وفي حين كنت في منزلي بالجزائر أتابع مع العائلة أخبار الانتصارات والأفراح التي عمت الكويت ودول مجلس التعاون ودول العالم المحبة للحرية والسلام بتحرير دولة الكويت لتشرق من جديد شمس الحرية على بلد النهار.

تلقيت مكالمة هاتفية من مدير إدارة المراسم بالديوان الأميري السيد محمد درويش العرادي، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، حيث أبلغني بأنه تم إرسال برقية عاجلة تتضمن توجيهات سامية يرجى تنفيذها بالسرعة الممكنة، توجهت بعدها لمبنى السفارة الذي يقع على بعد خطوات من السكن، حيث وجدت برقية عاجلة تتضمن "أنه بناء على تعليمات أمير البلاد يرجى مغادرة الجزائر بالسرعة الممكنة دون إبلاغ السلطات الجزائرية بذلك، مع إبلاغنا عن الجهة التي ستتوجهون لها مع العائلة لترتيب تأمين السكن، وكانت البرقية مذيلة بتوقيع معالي الأخ الكريم سليمان ماجد الشاهين.

وبناء على تلك التعليمات فقد غادرنا الجزائر في اليوم التالي لاستلام البرقية، وقد علمت فيما بعد بأن تلك الأوامر قد صدرت بناء على معلومات وردت للسلطات الكويتية تفيد بأن هناك مجموعات تقوم بالتحضير لاقتحام السفارة، ولن تكتفي هذه المرة بالتكسير والتخريب، بل كانت تسعى إلى الاختطاف والقتل، وصدق قول الحق سبحانه "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ".

فاللهم من أراد بالكويت خيراً فوفقه لكل خير، ومن أراد بالكويت شراً فرد كيده في نحره، وحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top