الوباء الأشد خطراً

نشر في 29-01-2018
آخر تحديث 29-01-2018 | 00:24
 أ.د. غانم النجار أوبئة تضرب بالبشر وتفتك بهم، وعبر التاريخ كانت الأوبئة تمثل علامات فارقة، وتحولات اجتماعية كبرى، وحركات هجرة غيرت وجه التاريخ. ويسعى العلماء والباحثون إلى إيجاد علاجات لها، ينجحون أحياناً ويفشلون أحياناً أخرى. هناك أوبئة اختفت أو كادت، تعود فجأة ليس بسبب عدم وجود علاج، ولكن بسبب سوء الحال، أو الحروب أو تجارة الأدوية وغير ذلك من الأسباب. كل ذلك مفهوم ومعروف في إطار صراع الإنسان لأجل البقاء، وكما قلنا بنجاح هنا وفشل هناك.

ولا يختلف البشر على مناهضتهم وتعاونهم ضد تلك الأوبئة، فالخطر عام والشعور به هم مشترك للجميع، إلا أن الأوبئة الأشد خطراً وفتكاً هي تلك التي يبررها الناس ويجدون لها غطاءً اجتماعياً، ولا يرون أنها تمثل خطراً على البشر من أي نوع، وأبرزها وأهمها الكراهية والتمييز وإلغاء الآخر والنظرة الدونية، استناداً إلى عرق أو دين أو لون أو لغة أو منطقة أو غير ذلك. وهي أكثر خطراً وأشد وطأة، فهي تحصد أرواح أعداد من البشر أكثر مما حصدته الأمراض، بل في كثير من الأحيان تكون مبررات لحروب عظمى أو صغرى، وينبري لها الخطباء والشعراء واختصاصيو الأنساب والتاريخيون، لكي يبرروا قتل وإفناء شعب أو شعوب أخرى، ولكي يضعوا أنفسهم أعلى من غيرهم، ويبرروا تفوقهم على غيرهم، وبالتالي وبتلك الحجة يصبح مسموحاً لهم القتل والفتك والإفناء والإبادة الجماعية للآخرين.

لن تجد من يبرر لمرض السرطان أو السل أو الطاعون أو الكوليرا أو غيرها من الأمراض والأوبئة في قتلها للناس، لكننا سنجد كثيرون ممن يبررون قتل فئة مظلومة مهمشة، لأنها تختلف عنهم بصفة أو أكثر، وبالتالي يصبح قتلها مرغوباً وسحلها محموداً وإفناؤها مطلوباً. وما علينا إلا أن نستعرض مقولات العنصريين عبر التاريخ لنفهم تلك المأساة. نحن أمام وباء يراه البعض عملاً جيداً ومطلوباً، وهنا تكمن الخطورة.

ستجد شخصاً مثقفاً أو هكذا يفترض، قارئاً للتاريخ كما يدعي، مدافعاً عن الحريات أحياناً حسب زعمه، إلا أن ذات الشخص، ونفس الإنسان، ينقلب رأساً على عقب، ويؤيد مجازر تقام ضد بشر آخرين يبرر قتلهم لاختلافهم عنه بصورة ما وبشكل أو بآخر. لا يختلف الحال عن ذلك الذي يدعي التدين، بل ويكرر أن دينه هو دين سلام ورحمة إلا أنه لن يتردد في تأييد قتل أبرياء من ملة أخرى فقط لأنهم مخالفون له. يفرحون لفناء من يختلفون عنهم، ويمسحون بابتهاج الخرقة بحد السيف المضرج بدماء الأبرياء. لا يسعون للتعايش والتعاون بل العنف والإفناء. هؤلاء هم منظرو الدمار، وهؤلاء هم فقهاء التبرير للقتل، وهؤلاء وأمثالهم من أبرز أسباب ذلك الوباء المستشري في هذه الدنيا.

back to top