انتخابات العراق «بلا فقاعات» والتطبيع بين الطوائف يتحكم في نتائجها

القوى السنية انتزعت معايير الاقتراع... والعبادي تخلص من المالكي وجمع معتدلي حزبه

نشر في 27-01-2018
آخر تحديث 27-01-2018 | 00:04
No Image Caption
ينهمك كُتّاب ومراقبون عراقيون وجمهور عادي في إجراء مقارنات لا تنتهي بين انتخابات مايو المقبل والانتخابات السابقة عام 2014، ويستنتجون أن بلادهم «تتنفس الصعداء» حالياً، بعد أن كانت تغرق قبل أربعة أعوام في شعارات ومواقف عنيدة وقاسية يتبناها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي كان يصف معارضيه بأنهم «فقاعات يجب القضاء عليها»، مما أشاع التوتر الشديد حتى مع حلفائه داخل الحزب، ومهّد لظهور تنظيم «داعش» واستيلائه على ثلث مساحة البلاد حينذاك.

أما في هذه الانتخابات، التي حسم موعدها منتصف مايو المقبل، فإن جناحاً موصوفاً بالاعتدال يدعم رئيس الحكومة حيدر العبادي، نجح في تخفيف معظم الأزمات بين الطوائف ومع المعارضة، حتى إن معظم الأطراف نجحت في التخلي عن متطرفيها، وقدمت وجوهاً جديدة تمتلك مهارات المرونة والنفس الطويل، وتتجنب الارتجال والتسرع اللذين كانا يزيدان أزمات العراق.

ويرى المراقبون أن الأجواء الإيجابية الجديدة ستفرز شروطاً جديدة للعبة، وستسفر عن نتائج اقتراع مختلفة تؤثر على شكل الحكومة المقبلة إلى حد كبير.

وتصاعد خلاف الأحزاب السنية مع العبادي منتصف الشهر الجاري حين اختلفا حول موعد الانتخابات وسط رغبة سنية في تأجيله بسبب ويلات الحرب على «داعش»، لكن الطرفين نجحا في التحكم بذلك، وتحولت القوى السنية من داعية للتأجيل إلى طرف ضامن لنزاهة أكبر في الانتخابات حين انتزعت تعهداً من العبادي بفرض معايير صارمة، وتحويل عملية الاقتراع إلى إلكترونية حتى في المدن المنكوبة لمنع التلاعب، فضلاً عن إبعاد الميليشيات عن محيط تلك المدن.

ونجح العبادي نفسه في التخلص من نوري المالكي الذي ينتمي إلى نفس الحزب، وجمع حوله الجناح المعتدل داخل حزب الدعوة، في سابقة نادرة ضمن التاريخ السياسي للبلاد، وتحالف العبادي مع عمار الحكيم الذي تخلص بدوره من «الحرس القديم» المقرب إلى إيران، وقدم نخبة شبابية مستعدة لإبداء مرونة أكبر ومنحازة لتسوية الخلافات مع الأكراد والسُّنة.

وعلى مستوى الخصومات الفكرية التقليدية تحالف رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي، وهو علماني صريح، مع الحزب الإسلامي، وهو الجناح العراقي في تنظيم الإخوان المسلمين، لينتجا قائمة مختلطة مذهبياً وفكرياً، أما مقتدى الصدر، الذي كان إسلامياً متشدداً، فهو اليوم متحالف انتخابياً مع الحزب الشيوعي ويدعم مرشحيه التكنوقراط.

ورغم أن الشيعة والسُّنة اتفقا عملياً على تأجيل حواراتهم إلى ما بعد الانتخابات تجنباً لأي حرج انتخابي، فإن الأجواء بين الطرفين يسودها هدوء نادر، ولا تظهر اتهامات ذات طابع طائفي بين المتنافسين حتى هذه اللحظة، كما أن العديد من المعارضين البارزين عاودوا نشاطهم حتى في بغداد، وعلى رأسهم خميس الخنجر رجل الأعمال الشهير، من الأنبار، الذي منعه المالكي سابقاً من النشاط السياسي.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالأكراد الذين دخلوا الخريف الماضي واحدة من أخطر مواجهاتهم التاريخية مع بغداد بسبب الاستفتاء على الاستقلال، باتوا ينخرطون تدريجياً في تفاهمات مع العبادي توجت بزيارة وفد من حكومة الإقليم لبغداد، وتحقيق تقدم ملحوظ في ملفات النزاع حول الأرض والنفط ونظام الإدارة.

ويهتم المراقبون بقراءة آثار هذه التحولات في نتائج الاقتراع المقبل ثم في طبيعة التحالفات التي ستشكل الحكومة كمهمة عسيرة جداً في النظام النيابي العراقي.

ويقدم العبادي نفسه كصانع لنهج المرونة الذي بات يشعر العراقيون بنتائجه على المزاج العام للبلاد، ويراهن على هذه النقطة في تحقيق مكسب انتخابي كبير، لكنه لن يستغني عن دعم أساسي من الأكراد والسُّنة والنجف والعلمانيين لمواجهة مرشحي الحشد الشعبي المقربين إلى طهران وما تبقى من نفوذ نوري المالكي.

back to top