«ضد المكتبة»

نشر في 24-01-2018
آخر تحديث 24-01-2018 | 00:00
 طالب الرفاعي في نقاش مع أحد الأصدقاء، عبَّر لي عن ضيقه بقراءة كتاب يجعله يُعيد النظر في قناعاته، ليقلبها رأساً على عقب. يومها اكتفيت بأن ابتسم له. لكني تذكرت ضيقه وأنا أقرأ كتاب "ضد المكتبة" للكاتب خليل صويلح، الصادر عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، بطبعته الأولى 2017.

"ضد المكتبة" يناقش بشكل معمَّق ومستفيض قضية المكتبة والكتاب في زمن مواقع الإنترنت المتخصصة، وفي زمن محركات البحث، التي تقدم للسائل آلاف الردود على سؤاله، وتسوق له آلاف الكتب التي يمكنه الرجوع إليها إجابة عن تساؤله.

ويشير الكاتب صويلح إلى أنه في تجربته الخاصة كان طوال وقته محتاراً في إيجاد مكان لكتبه في شقة صغيرة متنقلة، وأن الكثير من الأدباء العرب ما عاد يجد مأوى، فيكف بمكتبة فارهة وهادئة. وهو في سياق الكتب والمكتبة والكُتاب يقدم مادة ثرية وعميقة، تتطلب وقفات متأملة كثيرة لإعادة النظر جدياً فيما ورثناه من فهم حول الكاتب والكتاب والمكتبة، وأخيرا القراءة والفكر والوعي.

"منْ لا يقرأ يعيش حياة واحدة حتى لو اجتاز السبعين عاماً. أما منْ يقرأ، فيعيش خمسة آلاف عام. القراءة أبدية أزلية"، بهذه المقولة للكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو يفتتح خليل صويلح كتابه، ليقول صراحة إن القراءة حياة أخرى تُضاف إلى حياة الإنسان. لكنه ما يلبث أن يشير إلى أن ضيق يد حال عيش الكاتب والمثقف العربي، وملاحقات الأنظمة الدكتاتورية لم تكن يوماً لتسمح للكاتب بالاستقرار وبحبوحة اقتناء الكتب ورصها في مكتبة لامعة كبيرة.

إن استشارة صديق لي، بأنه بصدد تأثيث شقته الزوجية، فهل بات من الضروري وجود ركن لمكتبة كبيرة تضم ما كان يُشار إليه بـ"أمهات الكتب"، وما تراها هذه الأمهات في زمن يقذف في أوجهنا يومياً عشرات، ولا أريد القول بمئات الكتب. كتب تضطر بعد قراءة الصفحات الخمس الأولى لبعضها من رمي الكتاب في أقرب سلة مهمات بقربك، وقد كفرت بالكاتب والكتاب!

لقد كان غلاف كتاب "ضد المكتبة" مبدعاً جداً في البوح بروح الكتاب، فهو من جهة يشير إلى التخلص من الكتب التي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على صاحبها، ومن جهة أخرى يؤكد ألا معرفة عميقة تحرث وعي الإنسان دون الغوص في الكتب: "إن التقاط الشذرات العرجاء من المواقع الإلكترونية كدليل على المخزون المعرفي لأصحابها لا يصنع قارئاً أصيلاً، إذا لم يكن قارئاً نهماً في الأصل". (ص 15)

لذا يقع الإنسان في حيرة حين يقرأ كتاباً فكرياً أو إبداعياً، ويعجب به، هل يأخذه ليدسه في رف مكتبة، أو يتخلص منه بمجرَّد قراءته، لأنه متوافر على الإنترنت، وبالتالي يأتي زمن يكون استخدام الكتاب فيه كشرب قنينة "كوكا كولا" يتم رميها بمجرَّد الانتهاء من شربها. مع الانتباه لمفعول الكوكا كولا البائس على كل المستويات، ودور الكاتب المؤثر والعميق في تغيير وعي وسلوك الإنسان.

الروائي والكاتب خليل صويلح، يقدم في كتابه خلاصة فكر عدد كبير من أدباء العالم، وهو إذ يشير إلى تدني مستوى الكتاب اليوم، وأن بعض الكتب لا تستحق ثمن ورقها، فإنه يعترف بأن هناك كتبا تستحق وزنها ذهباً، أو كما قال الكاتب المفكر خورخي لويس بورخيس مرة: "أنا الذي تخيلت دوماً الجنّة على شكل مكتبة".

لست أبالغ إذا قلت إن قراءة كتاب "ضد المكتبة" قد تُغني عن قراءة الكثير من الكتب، لما يحوي من مادة ثرية، وبلغة مبدعة، بحيث لا تكاد صفحة تخلو من أمثلة لعوالم كتّاب عالميين.

صويلح ينتهي في خاتمة كتابه إلى التأكيد على قيمة الكتاب في حياة الإنسان، وأن هذه الحياة إذا كانت قصيرة ومليئة بالمتاعب والألم فليس من شيء يعطيها المعنى الأسمى كما هو الكتاب.

back to top