ارتفعت أسعار النفط ... فتناسوا ادعاءات «الإصلاح الاقتصادي»!

الإدارة الحكومية تضيِّع فرصة ذهبية جديدة للمعالجة السهلة والهادئة
• مكاسب البرميل مرتبطة بخفض الإنتاج و«الصخري» يعود إلى الواجهة

نشر في 18-01-2018
آخر تحديث 18-01-2018 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
ارتفاع أسعار النفط ارتبط بنمو الإيرادات النفطية في الميزانية، وكان مدعوماً بشكل جوهري بقرار منتجي النفط بخفض الإنتاج منذ يناير 2017 لمواجهة التخمة في الأسواق، في حين يدور الحديث اليوم عن آليات للخروج من الاتفاق.
عادت أسعار النفط للارتفاع بعد أكثر من 3 سنوات من الانخفاض، كانت السمة فيها تخمة الأسواق وغلبة العرض على الطلب، لتتراجع مجدداً أصوات ما يعرف بـ"الإصلاح الاقتصادي"، في مشهد متكرر مع كل فرصة ذهبية تقدمها أسعار النفط لإصلاح المالية العامة والمشهد الاقتصادي على المديين المتوسط والطويل.

ورغم أن نمو أسعار النفط يرتكز بشكل أساسي على اتفاق منتجي النفط بداية العام الماضي، لا على تحسن الاقتصاد العالمي أو عمليات نمو الطلب في الدول المستهلكة، فإن حسابات السياسة والرحيل والبقاء هي التي تفرض نفسها على عقليات أصحاب القرار، فلا يريد أحد تحمل أكلاف الإصلاح الاقتصادي، مفضلين سياسة التأجيل والتسويف حتى بات الحديث عن هذا الإصلاح، الذي كانت تزداد وتيرته في البيانات الحكومية خلال فترة انحدار أسعار النفط، بالكاد يذكر مع قرب مستوى البرميل الكويتي من سعر التعادل في ميزانية 2017/ 2018، مع أن الخطاب الاقتصادي الرسمي شدد في أكثر من مناسبة على أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي يجب أن تستمر حتى إن ارتفعت أسعار النفط مستقبلاً.

الأساس والتعادل

فالكويت اعتمدت سعر 45 دولاراً للبرميل في ميزانية 2017/ 2018 كسعر أساس بفرضية عجز عند 6.6 مليارات دينار، في حين بلغ سعر التعادل 70 دولاراً للبرميل، ومع النمو المتواصل منذ بداية العام يكون البرميل الكويتي، البالغ سعره حسب إقفال أمس 66.52 دولاراً، اقترب من سعر التعادل بنسبة 4.9 في المئة، وارتفع عن سعر نفس اليوم من العام الماضي بـ30 في المئة، وعن سعر بداية العام المالي في أبريل الماضي بـ25 في المئة، وعن معدل سعر البرميل الكويتي الفعلي لفترة 9 أشهر البالغ 52 دولاراً بـ28 في المئة.

وهذه الأرقام لا شك أنها ستدعم خفض العجز المالي في الميزانية عن المقدر بـ6.6 مليارات دينار بواقع النصف أو الثلثين، وخصوصاً إذا استمرت الأسعار في التحسن خلال الشهور المتبقية من السنة، إذ تشير بيانات وزارة المالية عن شهر ديسمبر إلى أن جملة الإيرادات خلال 9 أشهر بلغت 11.14 مليار دينار، تمثل 83.6 في المئة من إجمالي الإيرادات المقدرة لكامل السنة المالية بـ13.34 مليار دينار.

خروج تدريجي

ولعل ارتفاع أسعار النفط التي ارتبطت بنمو الإيرادات النفطية في الميزانية مدعوم بشكل جوهري وأساسي بقرار منتجي النفط من داخل "أوبك" وخارجها بخفض الإنتاج منذ يناير 2017 لمواجهة التخمة في الأسواق العالمية، وتم تمديده أكثر من مرة في ظل ضعف الأسواق وتدني جاذبية النفط عالمياً، آخرها التمديد حتى نهاية العام الحالي مع بروز مطالبات من عدد من دول "أوبك"، منها الكويت والإمارات، بالخروج التدريجي من الاتفاق منتصف العام الحالي، مع الأخذ بعين الاعتبار استحالة خفض الإنتاج إلى ما لا نهاية، لأن الاتفاق مرحلي، وتضغط عليه صراعات الحصص السوقية.

مرونة «الصخري»

ومع الارتفاع في أسواق النفط يعود المنافس المرن للمنتجين التقليديين، وهو النفط الصخري، إلى الواجهة، فحسب استطلاع لـ"بلومبيرغ" عن سعر تعادل نحو 7 شركات أميركية لإنتاج النفط الصخري في ظل سعر برميل برنت الحالي بحدود 69 دولاراً للبرميل تراوحت إجابات الشركات بأن سعر التعادل المناسب لها ما بين 46 و55 دولاراً للبرميل، وهو ما دفع إدارة معلومات الطاقة الأميركية لتوقع نمو إنتاج النفط الصخري في فبراير المقبل إلى 6.55 ملايين برميل يومياً، بعد أن كان في شهر مايو الماضي لا يتجاوز 5 ملايين برميل يومياً. وهذه التوقعات قد تؤثر بشكل جوهري في أسعار النفط، بوصف "الصخري" منافساً حقيقياً رفضت "أوبك" الاعتراف بتأثيره، غير أنها خضعت أخيراً.

لذلك، فإن الإيرادات النفطية المتنامية في الميزانية الكويتية ليست نظير جهد اقتصادي بقدر ما هي نتيجة لنمو الأسعار العالمية الخارجة عن سيطرتنا... فما العمل إذاً؟

المعالجة السليمة

لعله من المفيد القول إن الخطاب الإصلاحي الحكومي خلال فترة انخفاض أسعار النفط لم يكن إصلاحياً حقيقياً يحدد مستهدفات المعالجة السليمة، بل كان عبارة عن مشاريع متضاربة، معظمها يرتكز على الحلول المحاسبية الصرفة والجباية المالية دون اعتبارات الأثر الاقتصادي أو الاجتماعي، فالمطلع على وثيقة الإصلاح الاقتصادي والمالي، التي سحبت قبل نحو عام للمراجعة والتعديل دون أن تقدم إلى اليوم أي نسخة أخرى محلها، يجد فيها العديد من الاختلالات والأهداف الخاطئة، كالمبالغة في الرهان على الخصخصة، أو التعويل على الدين العام، والجباية، فضلاً عن اعتبار القرارات غير الشعبية بالضرورة صحيحة اقتصادياً، مما يستوجب التركيز على إعادة إصلاح الخطاب الاقتصادي الحكومي بتقسيمه إلى محورين كإجراءات دفاعية؛ أولهما قصير إلى متوسط الأمد، يتولى وضع سقف للإنفاق العام من 3 إلى 5 سنوات لا يتم تخطيه إلا للضرورة القصوى وبقانون، وإعادة تقييم المشاريع والمناقصات العامة، وتحويل أكبر قدر منها إلى عقود شراكة ومشاريع "bot"، إلى جانب استخدام جزء من عوائد الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة البترول لتمويل الميزانية بشكل وقتي.

أما المحور الآخر، فهو متوسط إلى طويل المدى، يتم خلاله خلق اقتصاد مساند يستهدف بالدرجة الأولى معالجة اختلالات الاقتصاد، مثل قلة الإيرادات غير النفطية، وضعف كفاءة سوق العمل، وانحراف التركيبة السكانية عبر معالجات ضريبية للشركات المحلية والأجنبية وتنمية البيئة الاستثمارية، وخلق الفرص في مختلف القطاعات، وتسهيل إجراءات الحصول على الأراضي، وجلب التكنولوجيا، ويكون معيار النجاح أو الفشل في مدى انعكاس هذه البرامج على الاختلالات الاقتصادية.

إن ارتفاع أسعار النفط فرصة ذهبية لعمل مشروع الإصلاح الاقتصادي بشكل مريح وهادئ دون آثار عكسية على المجتمع، والتفريط في هذه الفرصة، كما فرطت فيها الإدارة العامة سنوات طويلة من الفوائض، يبين أن لا أحد يمتلك القرار قد فهم دروس الأزمة وعبرها وإن ادعى العكس!

مكاسب البرميل مرتبطة بخفض الانتاج و«الصخري» يعود إلى الواجهة

نحتاج إلى سقف للإنفاق العام وتقييم مشاريع واستخدام عوائد الاستثمارات لتمويل الميزانية مؤقتاً
back to top