ضمير الكاتب

نشر في 14-01-2018
آخر تحديث 14-01-2018 | 00:00
 ناصر الظفيري حين يحمل المرء قلماً، ويكتشف أنه يُجيد حرفة الكتابة، ربما لا يدرك أنه أمام اختبار عسير وصعب. فقد أطلق الجميع عليه لقب "كاتب"، سواء كان كاتب أدب أو صحافة. هذا الكاتب ابن مجتمع عاش فيه وتعلم وحمل همومه وأمامه طريقان: الاهتمام بهذه الهموم، أو الابتعاد عنها وإيثار السلامة. هو يعرف أن الطريق الأول كلفته الابتعاد عن المناصب والحوافز والجوائز التشجيعية والتقديرية والمؤتمرات المحلية والخارجية، ويعرف أيضا أن مكسب الثاني هو كل ما سبق وأكثر.

وسواء كان مَن يملك الامتيازات هي السلطة السياسية أو سلطة المال، أو حتى سلطة الوجاهة، فالخروج على أدبيات هذه السلطات ومعارضتها هو حرمان الكاتب من امتيازاتها، أو معاقبته بأكثر من الحرمان.

طبيعة الحياة منذ الخليقة، حتى يومنا هذا، تخبرنا بأن العدالة المطلقة هي عدالة مستحيلة، وسواء كان هذا في الشرق أو الغرب لا فرق. هناك دائما قصور بشري في تشريع القوانين أو تطبيقها، وهو ما يخلق طبقات مجتمعية تصل أحيانا إلى تباين كبير بين الطبقة الأعلى والأدنى. الطبقة الأدنى هي غالبا طبقة المحرومين والفقراء والمضطهدين؛ سياسيا واجتماعيا، وفي الأغلب ينتمي الكاتب إليهم، وخرج من رحم ألمهم، وعليه أن يختار البقاء معهم، مدافعا عن حقوقهم وآمالهم، أو النأي بنفسه والالتحاق بالطبقة الأعلى. الأمر متعلق دائما بضمير الكاتب.

المتابع لما يحدث يلاحظ أن المثقف العربي، في الأغلب، التصق بالسلطة المالية والسياسية، وآثر الطبقة التي لم يخرج منها على الطبقة التي كانت حضنه وحاضنته. الذين التصقوا بالأنظمة الديكتاتورية يمتلكون كل الوقاحة والصفاقة أن يغيروا جلودهم للانضمام إلى الأنظمة البديلة بعد سقوط الديكتاتور. الذين انتظروا طويلا سقوط الديكتاتور ومعرفة اتجاه البوصلة طال انتظارهم وخرجوا عن حيادهم، ليعودوا إلى حضن الديكتاتور الذي لم يسقط. وسنراهم غداً حين تتغيَّر البوصلة بلباس جديد وخطاب جديد لمن تؤول إليه الأمور. وما يحدث الآن في سورية وسط تفجير المدنيين والغارات على الآمنين دليل على ما آل إليه وضع هذا المثقف العربي.

نعود إلى الكويت، وهي حالة خاصة وغريبة، وتبدو من بعيد وكأنها خالية من المثقفين. هناك أكثر من مئة ألف إنسان يعيشون تحت خط الفقر، تتضاءل أمامهم فرص الحياة الكريمة، وتنتشر مناشدات الزملاء على وسائل التواصل الاجتماعي لمساعدتهم في مواجهة أعباء الحياة. كل هذا يحدث أمام أعين الكُتاب والمثقفين، دون أن نجد سوى القلة، والتي تعد على أصابع اليد الواحدة، تدافع عنهم، وتكتب حول قضيتهم. وليس المثقف الكويتي فقط، بل حتى مَن كانوا في يوم ما منهم وتحصَّلوا على الجنسية الكويتية أو الخليجية أو الأجنبية تركوهم للريح التي ذهبت بهم إلى حياة أفضل. ولابد أن أذكر هنا الدكتورة الزميلة ابتهال الخطيب، الأكثر إخلاصا وتكريسا لقضيتهم. في المقابل، هناك الكثير من الأصوات العنصرية التي تنال منهم، وتجد مؤازرة أو صمتا في أغلب الأحوال.

قبل أيام نشرت د. كلير بوجراند كتابا عن البدون في الكويت، وهو رسالة دكتوراه قدمتها عام 2010، لطرح القضية منذ عام 1959 حتى 2009، فيما لم يقدِّم باحث كويتي رسالة مماثلة عن تطور القضية لأربعة أجيال متواصلة. وللإنصاف، يقدم د. طارق الربعي دراسة دكتوراه عن أدب البدون، وقدمت حنان العلوي رسالة ماجستير عن الموضوع ذاته.

back to top