رفاهية مزيفة

نشر في 12-01-2018
آخر تحديث 12-01-2018 | 00:02
يعيش المواطن في فوضى لا يميز فيها حقوقه من واجباته وسط دوامة من جشع التجار والفاسدين، لذا يجب أن يعي كل من الشعب والسلطة ما له وما عليه والعمل معاً نحو نظام مدني متحضر.
 دانة الراشد توفر الدول المتمدنة والمتقدمة جميع احتياجات شعوبها الأساسية، بل تتفنن في توفير وسائل الراحة والترفيه الثانوية، ففي مجال الصحة تتوافر المستشفيات بخدمات حديثة وأسعار رمزية وبإمكانات تستوعب المواطنين والمقيمين على حد سواء، أما التعليم فهو ذو جودة عالية وبمناهج تعليمية مواكبة للعصر، وتجد الإعلام يعمل يداً بيد مع التعليم عن طريق بث البرامج الممتعة والمفيدة والارتقاء بالذوق العام في المرئي والمسموع، فيخلق ذلك شعبا مثقفا وواعياً.

واقتصادياً فإن هذه الدول تضع حداً لغلاء المعيشة، وتوفر سبل العيش للجميع، فيستطيع الفقير والغني العيش فيها، وعلى الرغم من وجود نظام الضريبة في أغلب تلك الدول فإنه مقبول هناك، حيث يرى المواطن أموال الضرائب التي يبذلها من جيبه تُنفق في بناء مرافق حديثة وتحسين الشوارع وتخضير المدينة. وحقوق الإنسان هناك مكفولة، فتحرص تلك الدول على حقوق الأقليات والضعفاء قبل الحرص على حقوق العامة، كما يمكن للجميع التعبير عن آرائهم بحرية- دون الزج بهم في السجون- وممارسة حياتهم كما يشاؤون طالما لم يؤذوا أحداً أو يخترقوا القانون.

نتيجة ذلك كله هو شعب يشعر بالرضا والاطمئنان من وجود عدالة اجتماعية ونظام يحترم إنسانيتهم، فتراهم يتفوقون ويبدعون في شتى المجالات من علم وأدب وفن ورياضة.

الغريب فعلاً هو كيفية سير هذه الأمور عندنا ونحن البلد الميسور اقتصادياً ونعيش في دولة الرفاهية، فالصحة والتعليم في تدهور كبير منذ عدة عقود، مما أدى إلى ظهور العديد من المستشفيات والمدارس الخاصة، واعتماد شريحة كبيرة من المجتمع عليها سواء أكانوا قادرين على دفع أجورها الباهظة بأريحية أو بشق الأنفس، وكلنا يعلم مدى الصعوبة وطول الانتظار للحصول على بيت حكومي، مما يُجبر الكثير على استئجار الشقق والبيوت التي تقضم جزءاً كبيراً من "المعاش"... تلك إذاً بوادر للخصخصة بشكل غير مباشر!

أما في مجال الحريات فلقد تراجع سقفها الذي كان أعلى من الآن بكثير في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي! وأصبحت الرقابة الخانقة على العقول والأقلام هي سيدة الموقف، وثقافياً تم تسطيح العقول وتسفيهها وذلك لحشدها نحو الثقافة الاستهلاكية.

أدت العوامل السابقة إلى تشكيل أعباء اقتصادية كبيرة على المواطن، وإذا بنا نفاجأ بكلام عن ضريبة القيمة المضافة في الجرائد والإعلام يتوجس منه الناس، فهم لا يعلمون أين ستذهب أموالهم ويخافون من المستقبل المجهول.

باختصار يعيش المواطن في فوضى لا يميز فيها حقوقه من واجباته وسط دوامة من جشع التجار والفاسدين، لذا يجب أن يعي كل من الشعب والسلطة ما له وما عليه والعمل معاً نحو نظام مدني متحضر.

back to top