العداء لحرية التعبير

نشر في 10-01-2018
آخر تحديث 10-01-2018 | 00:10
تقهقرت الكويت درجات على مؤشر حريات التعبير، وأصبحنا نعمل حسابا لكل الأطراف، وهو ما لم نعهده منذ استقلال الكويت بهذه الدرجة، فحرية الكويتيين في التعبير كانت قبلة الناس في كل الخليج، وكان العالم العربي يساوي بيننا وبين لبنان قبل أن يصيبه داء التحيز والخوف، وكنا مثالا للانفتاح.
 علي البداح حرية التعبير تتراجع بشكل خطير نتيجة لوقوف كثير من الجهات ضدها، فهناك تجاوز الحكومة لنصوص الدستور، وزج الكثيرين في السجون لكلمة أو تغريدة أو موقف، وموقف مجلس الأمة الذي يفترض فيه حماية الدستور والدفاع عن الحرية صامت لم يتحرك لتغيير القوانين المسببة لكل تلك الاعتقالات، بل لم نسمع إلا ما ندر عن شجب لهذه الإجراءات والأحكام، ولم يقدم نائب واحد اقتراحا برغبة لتعديل أي من القوانين المعنية أو يبدي نية لعدم التعاون مع الحكومة بسبب تلك الإجراءات.

الأسوأ أن صحافتنا أصبحت تفرز المقالات وتوقف النشر أو تطلب تعديلات عليها حتى لا تزعج الديوانين ورقابة الإعلام، أو تزعج أصحاب الإعلان لو جاء ما يمس كبار التجار والمتنفذين، ونامت جمعيات النفع العام عن أي اجتماع أو احتجاج على تدهور حرية التعبير أو سجن أصحاب الرأي .

والأسوأ أن الكاتب أصبح يبحر في بحر ملغم نتيجة انتشار سلطة الاحتجاج على الكتابة الحرة، فهو إن كتب عن السعودية مثلا غضب إخوتنا النجادة، وإن كتب عن إيران غضب إخوتنا الشيعة، وإن كتب عن عضو قبلي ثارت قبيلته، وإن كتب عن رجل دين أو داعية ثارت جماعته، حتى لو كانت الكتابة لا تخرج عن الموضوعية وتدعم حريات الشعوب وقضايا ملحة لا يجوز السكوت عنها، ويحس الكاتب مرات بانعزاله عمن يحبهم بسبب موقفه من قضايا مهمة لا يرونها كذلك.

تقهقرت الكويت درجات على مؤشر حريات التعبير، وأصبحنا نعمل حسابا لكل الأطراف، وهو ما لم نعهده منذ استقلال الكويت بهذه الدرجة، حرية الكويتيين في التعبير كانت قبلة الناس في كل الخليج، وكان العالم العربي يساوي بيننا وبين لبنان قبل أن يصيبه داء التحيز والخوف، وكانت صحف الكويت ومسارحها وجمعياتها مجالا خصبا وحرا في طرح قضايا الكويتيين والعرب، وكنا مثالا للانفتاح، ولم تشهد السجون صاحب رأي يحبس بسبب رأيه إلى الآن.

إن مجلس الأمة بإمكانه إعادة الكويت إلى سابق عهدها بإعادة النظر في كل القوانين التي تحرمنا من التعبير وتسمح للقاضي بتوقيع أقصى العقوبة، ولا يستطيع المجلس التحجج بأي أمر، فهو السيد المنوط به الدفاع عن الحريات، لا نريد خطابات لا تغني ولا تسمن من جوع، نريد أن ينفض المجلس كل القوانين ويلغي أي مادة تمنع الناس من التعبير. نريد من المجلس أن يعيد للناس حرياتهم، ولا يقبل ما تردده الحكومة أننا أفضل من غيرنا لأنها تقارن بالأسوأ ولا تقارن بالأفضل، ويبدو أن الآخرين سيسبقوننا إذا استمرت حالنا كما هي الآن، كما سبقونا في كثير من الأمور الحيوية الأخرى، ومجلس الأمة قادر على إحياء أجواء الحرية بالفعل لا بالتصريحات الرنانة من هذا العضو أو ذاك، فهل تخذلوننا؟

back to top