لماذا المكابرة؟

نشر في 09-01-2018
آخر تحديث 09-01-2018 | 00:08
 يوسف عبدالله العنيزي عالمنا العربي يعيش خارج نطاق التغطية، فجميع الخطوط مقطوعة مع ما يعيشه العالم من تطور وتنمية وتقدم علمي فاق الخيال، وحقوق إنسان والحرص على إسعاد الشعوب وتعليمها وصحتها، ألا ليت عالمنا العربي اكتفى بذلك، بل يحاول جاهدا أن يسحب العالم بأسره إلى قاع التخلف الذي وصلنا إليه، وفي كل المجالات.

فالتقدم العلمي لا نكاد نستطيع تهجئة حروفه، أما الإنسانية فقد أدرنا لها ظهرنا، والديمقراطية نسمع عنها من بعيد ولكن لا نعرف كنهها، أما غزو الفضاء وأجرام الكون فلدينا قصص ألف ليلة وليلة، ولكن من ناحية أخرى فقد تفوقنا على دول العالم بأسره بأعداد اللاجئين والمشردين، تفوقنا عليهم بأعداد القتلى "والشهداء" والجرحى، تفوقنا عليهم بأعداد الأحزاب والجماعات الإرهابية وغير الإرهابية، تفوقنا عليهم بحجم الإنفاق العسكري وتكديس الأسلحة، تفوقنا عليهم بأجهزة إعلام تمارس معارك حادة ومؤذية، وباستخدام كل ما يخطر على البال من أكاذيب، ونبش وثائق سرية وغرس الأحقاد وكراهية تصعب إزالتها أو التخفيف من آثارها، وكأننا وصلنا إلى حافة اللا عودة.

وتوالت على عالمنا العربي الأزمات والكوارث والمآسي بكل أنواعها، وكلما ازداد عدونا قوة واتحادا زدنا ضعفا وتشرذما حتى وصلنا إلى وضع يتكئ عدونا في مجلسه أو مخدعه ويبدأ بتحريك مؤشر"الريمونت كنترول" ليدأ التدمير والتفجير والقتال على مساحة عالمنا العربي، فأصبحنا نقاتل بعضنا بحقد وشراسة، وغدا المصري يقتل المصري واليمني يقتل اليمني والليبي يقتل الليبي وحتى الفلسطيني يقتل الفلسطيني و... و...، بل تجاوزنا ذلك إلى الوصول إلى صراع الأنظمة.

فكل نظام يسعى إلى إسقاط النظام الآخر، وتناسينا أننا نشبه "حطب الدومنو" إذا سقطت واحدة، لا سمح الله، سقط الجميع، حتى قضايانا الرئيسة بدأت بالتقلص، وعلى سبيل المثال كانت فلسطين قضيتنا الأولى منذ أكثر من خمسة عقود، وكان الهدف التحرير والعودة إلى فلسطين، فأصدرنا الكتب والنشرات ونظمنا الأشعار والقصائد والأغاني، وتناست المنظمات الفدائية بمختلف التوجهات والأفكار فلسطين، وبدأت بالتقاتل فيما بينها، وتولى القيادة مناضلون، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

وما زالت الشعارات والخطب والتصريحات نفسها، وبدأت فلسطين تنساب من بين أيدينا كما ينساب الماء من بين أصابع اليد، وبدأنا نفقد مدينة بعد أخرى حتى وصلنا مؤخرا إلى فقدان زهرة المدائن مدينة القدس الشريف.

ويخطر على البال هنا ذلك اللقاء أثناء رئاستي للبعثة الدبلوماسية في الأردن الشقيق، فقد التقيت مع أحد الأصدقاء من فلسطين الحبيبة، وبدأ يتحدث عن تلك اللحظات عندما سنحت له فرصة زيارة مدينة "حيفا" في فلسطين "المحتلة"، فزار منزلهم العتيق، وذلك الحي الذي قضى فيه بعض سنوات طفولته، فشعر أن الجدران تكاد تروي له ملحمة تلك الأيام الخوالي عندما بدأت العائلات الفلسطينية بالنزوح، وتذكر رواية والدته، رحمها الله، وقد تركت وجبات الطعام التي كانت تعدها لتكملها بعد عودتها، ولكن إرادة الله قضت بأن تسلم الروح بعيدا عن أرضها بآلاف الأميال، في تلك اللحظة شعرت أن صاحبي يكاد يغوص في دمع الأحزان، فأدرت الحديث إلى موضوع آخر.

ونعود لعنوان المقال، نعم لماذا المكابرة، فقد عجزنا عن حل مشاكلنا مهما صغرت أو كبرت.

حفط الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top