«الشيخ» المفترى عليه!

نشر في 05-01-2018
آخر تحديث 05-01-2018 | 00:00
 مجدي الطيب بتاريخ 02-10-2017، كتبت في هذه الزاوية مقالاً بعنوان «دعاوى الحسبة» في انتظار {جاكسون»، تنبأت فيه بأن الفيلم لن يمرّ مرور الكرام، وقلت بالحرف الواحد: «بانتهاء عرض «شيخ جاكسون» في الدورة الأولى لمهرجان الجونة السينمائي (22-29 سبتمبر 2017)، ومن قبله في الدورة الثانية والأربعين لمهرجان Toronto السينمائي (7 - 17 سبتمبر)، انتهت ما يمكن أن نُطلق عليها موقعة {الفتنة الصغرى} لننتظر بداية معركة {الفتنة الكبرى}، فالانقسام الحقيقي سيبدأ، من وجهة نظري، مع طرح نسخ الفيلم على شاشات العرض التجارية، واندفاع البعض من {هواة الشهرة} إلى رفع دعاوى حسبة، من تلك التي يزعم أصحابها أنهم {ظل الله على الأرض} أو{ظل البشر}، ضد أصحاب فيلم {شيخ جاكسون}، بحجج كثيرة ومتعددة، من بينها مثلاً أنه يزدري الدين أو يُعلي من شأن {مخنّث}، حسبما وصف مايكل جاكسون في الفيلم، على حساب رجل الدين! وأضفت: {الرغبة في التمرد على الفكرة التقليدية، والانقلاب على أسلوب السرد المعتاد، والجرأة في اقتحام بعض المناطق الشائكة، وربما المحظورة، مثل رصد الحصار المضروب على المجتمع المصري، بواسطة أدعية الاستيقاظ من النوم، ودخول الحمام والخروج منه، والخروج من المنزل، والذهاب إلى المسجد، ودخول المسجد والخروج منه، بالإضافة إلى المشاهد الأهم التي ظهر فيها {نجم البوب مايكل جاكسون} بين جموع المصلين، وهو يرتدي سترته الشهيرة وقفازه فضلاً عن طاقيته، وقيادته ما يُشبه الرقص الجماعي خلف الإمام، الذي يُصارع أحد المصلين متوهماً أنه {جاكسون}، الذي جاء يُفسد عليه، وعلى المسلمين، صلاتهم ثم النهاية التي يختلي فيها البطل بنفسه، في شقة العائلة القديمة، ويفتش في صندوق الذكريات، وبعد ما يعثر على الألبوم الذي يحتوي على أغاني {مايكل جاكسون} يبدأ الرقص، باللحية والجلباب، وملامح القناعة والرضا والابتسامة بادية على وجهه، وكأنه استعاد نفسه... مشاهد يُنتظر أن تثير جدلاً كبيراً في حال لم يتجاوب البعض مع السياق الطبيعي الذي قُدمت من خلاله، حيث الشاب الذي أحب في طفولته وصباه {مايكل جاكسون}، وقاطعه، وهجره، عندما التزم دينياً، ومع إعلان وفاته في الخامس والعشرين من يونيو عام 2009، استشعر وكأن زلزالاً هزّ كيانه، وضرب استقراره، وعاد ليراجع معتقداته وقناعاته لكن لن يستسيغ البعض {شيخ جاكسون}، ولن يستطيع التجاوب مع تمرده، واختراقه لترهات صارت مسلمات لدى البعض، وسيخرج علينا من يتهمه بأنه {يشوه الإسلام} و{ينشر الكفر والضلال}، وربما يُطالب، في إطار تصفية الحسابات، إلى ضرورة التفريق بين أصحاب الفيلم وزوجاتهم}!

ولم تمض سوى أشهر قليلة، وإذا بنيابة استئناف القاهرة، تأمر باستدعاء أحمد فاروق الفيشاوي، ثم المخرج عمرو سلامة، للتحقيق معهما في البلاغ المقدم من عبد الرحمن عبد الباري الشريف، الأمين العام للجنة الحقوق والحريات بنقابة المحامين في الجيزة، على خلفية اتهامهما بازدراء الأديان بسبب فيلم {شيخ جاكسون}، وذكر البلاغ، المقيد برقم (12596 لسنة 2017) عرائض النائب العام، أن الفيلم تعرّض للدين الإسلامي الحنيف بكثير من الإساءة، واستخدم رجال الدين أصحاب الجلباب القصير وذوي العقول الضيقة في فهم الدين والمتشددين لآرائهم ليظهر رجال الدين الذين لا يمثلهم هؤلاء، وليثبت في فكرته في النهاية انتصار صاحب الرقص والفكر المعاصر على صاحب الدين والأفكار المتحجرة. وأضاف البلاغ، أن العمل يسيء إلى مصر، بلد الأزهر الشريف، البلد المتدين بطبعه، مشيراً إلى أنه جاء في أحد المشاهد، بصلاة أحمد الفيشاوي كإمام لجموع المصلين، ثم يظهر فجأة مايكل جاكسون المغني الأميركي الشهير، وهو يرقص وجموع المصلين، أثناء أداء صلاة الفجر، الأمر الذي يتعارض مع صحيح الدين الإسلامي، في مناقشة مثل هذه القضايا، وهو ما يؤكد أن الفيشاوي يريد هو ومؤلف العمل والمخرج إثبات وجهة نظرهم بالتشكيك في ثوابت الدين وهوية المصريين، مما يستوجب التصدي لهم ولكل من على شاكلتهم وبكل حزم وقوة. وأشار مقدم البلاغ إلى أن المادة 98 من قانون العقوبات نصت على أنه: {يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تتجاوز خمس سنوات، أو بغرامة لا تقل عن خمسمئة جنيه، ولا تتجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة، أو تحقير، أو ازدراء أحد الأديان السماوية، أو الطوائف المنتمية إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي}، كذلك نصَّت المواد رقم 161 و171 و176 من قانون العقوبات المصري، وطالب البلاغ النائب العام باتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة حيال المشكو في حقهم (الإنتاج والإخراج والتمثيل)، وإيقاف عرض الفيلم إلى حين فتح تحقيق عاجل وموسّع، لازدرائه الدين الإسلامي من خلال بث أفكار مغلوطة تمسّ بالدين الإسلامي الحنيف والتأثير في الشباب بأفكار متطرفة لا تمت إلى الدين الإسلامي الحنيف بصلة، من واقع صحيح الدين.

من جانبها، أصدرت جمعية نقاد السينما المصريين بياناً أعلنت فيه تضامنها مع الفيلم المصري {شيخ جاكسون} ومخرجه عمرو سلامة ضد الحملة التي يقوم بها بعض طالبي الشهرة ومدعي الوصاية الأخلاقية المطالبين بمنعه من العرض، والتي وصلت إلى استدعاء المخرج للإدلاء بأقواله إزاء النيابة، على الرغم من كون البلاغ المقدم يتعلق بفيلم قد أجازته الجهات الرسمية وعُرض على جهاز الرقابة على المصنفات مرتين كأي فيلم آخر، مرة كنص مكتوب وأخرى كشريط بعد التصوير، وفي المرتين أجازته الرقابة من دون حذف، ومنحته تصريحاً بالعرض العام وفقاً للقانون، لا ينبغي أن يتعرض المبدع بعده لأية مسائلة أو استجواب.

وتطالب الجمعية المثقفين والمبدعين التكاتف والتدخل لإيقاف هذه المهزلة وأية مهزلة مشابهة، فدعوى الحسبة مرفوضة قانونياً وإنسانياً، وعصر الحريات والسماوات المفتوحة هو آخر عصر يمكن فيه المطالبة بمنع فيلم أو قمع فكرة.

back to top