فرصة أوروبا للقيادة... الروبوتات والذكاء الاصطناعي

نشر في 04-01-2018
آخر تحديث 04-01-2018 | 00:05
 بروجيكت سنديكيت منذ أن اخترعت ماري شيلي الشخصية الأدبية الرئيسة فيكتور فرانكنشتاين من رواية «فرانكنشتاين» ووحشه الشهير في عام 1818 أصبح لدى البشر هوس كبير بالكائنات التي صنعها الإنسان، والتي يمكن أن تهدد وجودنا، فمن المسلسل الأميركي المقتبس من «ويست وورلد» الذي يصور متنزها يسكنه الرجال الآليون إلى سلسلة أفلام «تيرمينيتور» التي تصور آلات فائقة الذكاء تهدف إلى تدمير البشرية، ونحن غالباً ما نطلق عنان مخيلتنا التي تنطوي على الخوف الشديد بأن الإبداعات التكنولوجية الخاصة بنا قد تتحول ضدنا.

وفي كتاب هوموديوس، يؤكد يوفال نوح هراري أن التقدم التكنولوجي القائم قد وضع البشرية بالفعل على طريق زوالها، لأن التطورات في الذكاء الاصطناعي هي الخوارزميات التي تتخذ قرارات أفضل من البشر والهندسة الوراثية، وكلها تعني أن معظم البشر سيكونون زائدين على الحاجة في المستقبل غير البعيد.

وفي مؤتمر قمة الإنترنت في لشبونة بشهر نوفمبر الماضي ناقش الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينغ التهديدات والفرص التي تنتظرنا، وقال «إن النجاح بخلق ذكاء اصطناعي فعال يمكن أن يكون أكبر حدث في تاريخ حضارتنا أو الأسوأ». وأضاف هوكينغ أن المشكلة هي «أننا لا نعرف، ولذلك لا نستطيع أن نعرف ما إذا سيساعدنا الذكاء الاصطناعي بلا حدود أو سيتجاهلنا أو يهمشنا أو حتى يدمرنا».

وعلى الرغم من تحذيرات هوكينغ وهراري الصارخة حول الآثار المحتملة للتكنولوجيات القائمة، فإن كلاً منهما يعتقد أنه ما زال لدينا الوقت لتشكيل مستقبل لأنفسنا، وستثير التغييرات المقبلة عدداً من الأسئلة ذات الصلة لواضعي السياسات، فماذا يعني انتشار الروبوتات والذكاء الاصطناعي للدفاع والأمن أو مستقبل التوظيف؟ وما القواعد التي تضمن أن هذه الابتكارات مفيدة بشكل جماعي؟

وحتى الآن كان النقاش السياسي السائد حول هذه المسائل محدوداً، وهذا ليس أمراً مفاجئاً، فكما رأينا في استنساخ الحيوانات أن السياسة عادة ما تتخلف عن ركب العلم، ففي الاتحاد الأوروبي كثيراً ما تعتمد لوائح السوق الموحدة بعد سنوات من التقدم العلمي الذي جعلها ضرورية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالروبوتات والذكاء الاصطناعي فليس هناك مجال للتردد.

ولحسن الحظ، وكما أشار هوكينغ، فإن بعض صناع السياسات الأوروبيين قد بدؤوا بالفعل أعمالاً تشريعية في هذا المجال، واعتمد البرلمان الأوروبي العام الماضي قراراً يدعو إلى وضع قواعد جديدة تنظم الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ونحن نطلب من المفوضية الأوروبية أن تقترح تدابير من شأنها تعظيم الفوائد الاقتصادية لهذه التكنولوجيات مع ضمان مستوى قياسي من السلامة والأمن، فعلى الرغم من أنني لا أوافق على بعض المقترحات المعروضة حالياً، فإن حقيقة أننا نجري على الأقل مناقشة بشأن هذه المسألة يعتبر تطوراً إيجابياً.

وفي حين تنظر البلدان الأخرى أيضاً إلى القواعد الجديدة للروبوتات والذكاء الاصطناعي، فإن لدى الاتحاد الأوروبي فرصة فريدة لتولي زمام المبادرة، ومن خلال العمل الآن يمكننا أن نضمن أن الاتحاد الأوروبي لن يضطر إلى اتباع الأطر التنظيمية التي وضعتها البلدان الأخرى، وفي نهاية المطاف ستكون هناك حاجة إلى قواعد عالمية، ولدى أوروبا الفرصة لوضع المعايير التي يجب أن تبنى عليها تلك القواعد.

أولا، سنحتاج قريباً إلى تحديد الوضع القانوني للروبوتات، حتى نتمكن من تحديد من المسؤول عن أي ضرر قد تتسبب فيه، وعلاوة على ذلك، وكما حذر مؤسس شركة مايكروسوفت ورجل الأعمال الخيريه بيل غيتس، فإن الروبوتات والخوارزميات المتقدمة من المرجح أن تقضي على العديد من الوظائف، وقدر المنتدى الاقتصادي العالمي أن خمسة ملايين وظيفة في 15 بلداً متقدماً ستذهب للأتمتة بحلول عام 2020.

وقد اقترح غيتس والبعض في البرلمان الأوروبي أن يتم فرض ضرائب على الروبوتات لدفع ثمن الخدمات البشرية، وإذا ما كان هذا هو الحل الأفضل فإنه مازال حتى الآن موضوع نقاش عميق، ومن الواضح أن هناك حاجة إلى حلول وسط في هذا المجال. ستقوم الروبوتات والذكاء الاصطناعي أيضاً بإثارة القضايا الأخلاقية العميقة للسياسيين الليبراليين، وخصوصا فيما يتعلق بالخصوصية والسلامة، ولحسن الحظ فإن هناك توافقاً سياسياً أشمل بشأن هذه المسألة مقارنة بمسألة فرض الضرائب، وقد اقترح البرلمان الأوروبي مدونة سلوك طوعية للمهندسين وغيرهم من العاملين في مجال الروبوتات، وهناك حاجة إلى معايير أخلاقية، وكذلك قانونية لضمان أن الروبوتات والتكنولوجيات ذات الصلة مصممة بشكل يأخذ بعين الاعتبار احترام كرامة الإنسان.

وأخيراً دعا البرلمان الأوروبي المفوضية الأوروبية إلى النظر في إنشاء وكالة جديدة على مستوى الاتحاد الأوروبي للروبوتات والذكاء الاصطناعي لتزويد الموظفين العموميين بالخبرة الفنية والأخلاقية والتنظيمية، ومن وجهة نظري ستكون هذه خطوة منطقية في الاتجاه الصحيح نظراً لأن ما يقدر بنحو 30٪ من الشركات القيادية في العالم ستوظف مسؤولاً رئيساً في مجال الروبوتات بحلول عام 2019.

إن من شبه المؤكد أن التقدم التكنولوجي اليوم سيكون له تأثير عميق على حياتنا وسبل عيشنا على غرار ثورة صناعية جديدة، ومن خلال وضع اللوائح والمعايير الآن يمكن للاتحاد الأوروبي أن يضمن استفادة جميع الأوروبيين من التغييرات القادمة بدلاً من أن تجتاحهم الفوضى.

* غاي فيرهوفستات

* رئيس وزراء بلجيكا الأسبق، ورئيس تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top