لحظة عمر عابرة

نشر في 27-12-2017
آخر تحديث 27-12-2017 | 00:00
 طالب الرفاعي لحظة عمر عابرة، متغطرسة هادئة غير مبالية لا تلتفت أبداً لمن حولها، تمر قاصدة محطة تلوح ولا تلوح على القرب والبعد، والكشف والسر، والشك واليقين.

لحظة عمر عابرة، تسير وئيدة، تأخذ من أعمارنا نتف الفعل الحاضر، وتخبئه في جيوبها، وتظل سائرة، لا تبالي بما حملت معها؛ سروراً كان أو انكساراً.

لحظة عمر عابرة، تزيد لحظة على لحظات العمر، وساعة على ساعاته، ويوماً على أيامه، وسنة على سنواته. تظل سائرة ليل نهار، تلون أعمارنا، وتخط بقلم رصاصها الثقيل علاماتها القاسية على لحم قلوبنا، وعلى صفحة ذكرياتنا، وعلى نظرات أعيننا، وعلى وجوهنا. تظل سائرة قاصدة محطة توقفها الأخير.

سنةٌ مرَّت، نثرت شيئاً من عطر، وشيئاً من نجاح، وشيئاً من ابتسام، وشيئاً من ألم... خلَّفت زهواً أو نشوة أو وجعاً يسكن القلب. جاءت بوليد يحمل الأمل لحياة مقبلة، وحملت على أكفان الموت البيضاء عزيزاً، سيبقى غيابه يعذب الروح.

سنةٌ مرَّت، لحظة بلحظة، وها أنا أقف قبالة مرآة عريضة أنظر في البعد، في العمق من المرآة، لأرى؛ ما الذي تراها أخذته مني تلك السنة، وما تراها خلّفته لي!

العيشُ، ومهما كان قاسياً، هو كسب الحياة الأهم والأجمل. يفتح الإنسان عينيه ليبدأ رحلة يوم جديد، تلك لحظة ثمينة، وتلك لحظة تستحق الاحتفاء بها. فمجرد أن يفتح الإنسان عينيه على ضوء حياة جديدة، فذلك هو الشأن الأهم ولا يعدله شيء. فلو جاء يوم وبقي الإنسان في نومته الأبدية، فذاك يعني أنه ما عاد شيئاً في عالم العيش والحياة، وذاك يعني أنه انتقل من دنيا الأحياء إلى دنيا الأموات، وتلك حكاية أخرى!

لحظة العمر العابرة، تستحق منا، في مناسبة أو أخرى، أن نقف أمام مرآة الوقت، لنرى كيف لنا أن نكون أحب وأفضل وأطيب مع القريب منا والبعيد. وكيف لنا أن نكون أقدر على فهم أنفسنا وسر الحياة، وأخيراً؛ كيف لنا أن نكيِّف أنفسنا على ما يحيط بنا، لنتجاوزه إلى الأحسن المؤمل!

لحظة العمر العابرة، تقول ليس من كسب صعب ككسب الأصدقاء الخلّص، وليس أثمن من صداقة تعين صاحبها على تحمُّل السير فوق عارضة اليوم الشاهقة. وليس أوقع حزناً على النفس من فقد صديق كان زاداً لعمر قادم.

هي لحظة العمر العابرة، وهو كتاب العمر، لكل منا حرث يومه، ولكل منا حلم لحظته القادمة، وكما أن هناك مَن يؤمن بأنه على القرب من حلم يتحقق، ويصر على مزيد من العزم، فهناك من يتساقط على جانبيّ الطريق، مضمّخاً بالتعب والألم واليأس.

في كل لحظة أزداد ثقة ويقيناً؛ العمل الناجح إرادة وتصميم وتضحية، والعمل الناجح صعب، والعمل النجاح وليد جهد وكد ومثابرة. وبقدر نجاح وتألق العمل تكون الضريبة. فضريبة العمل الناجح تجلب لصاحبها مزيداً من الفرح والاحترام والمحبة في قلوب أهله ومحبيه. وهي في الآن نفسه تفتّح على صاحبها أعين أعداء النجاح في القرب والبعد، وتستثير همةَ حقدِهم الدفين على مزيد من التقول البائس.

اللحظة العابرة درس لكل عاقل يريد أن يتأمل في كنه الحياة. حياة الإنسان لحظة عابرة، طالت أو قصرت، لذا طوبى لمن حسنت لحظته، وطوبى لمن حسن فكره، وطوبى لمن خفق قلبه بالخير. وطوبى لأولئك الذين يُقدمون خيراً للآخر، وحباً نقياً للآخر. والبؤس كل البؤس لمن جنّد نفسه ليرى الظلام، ويعيش الظلم ويقتات عليه!

لحظة عابرة، يوم عابر، سنة عابرة، عمر عابر، وحياة عابرة، ولا تبقى إلا الذكرى بين البشر. وكم يبدو مُستحقاً أن نخلّف وراءنا عطراً فواحاً.

كل عام جديد وأنتم بخير.

back to top