وهن

نشر في 22-12-2017
آخر تحديث 22-12-2017 | 00:05
 دانة الراشد تتعب الأعين من رؤية تلك المشاهد القبيحة المتكررة يومياً: شوارع متكسرة ومبانٍ متهالكة في مدينة تخلو أرضها من اللون الأخضر ويعلو سماؤها اللون الرمادي الناتج عن دخان عوادم السيارات، وفيها نفايات متكدسة في كل مكان، منظر قد لا تستغرب لرؤيته في الدول النامية الفقيرة في إفريقيا أو جنوب شرق آسيا، لكنه في مدينتي هنا والآن وبكل أسف.

تتململ الآذان من سماع الخطاب العنصري والطائفي المتكرر، لكن من وجوه وأفواه مختلفة كل مرة تخيّب الآمال فيها، ولسان الحال يقول: «حتى أنتم؟!». تُخدش الأسماع من الألفاظ الجارحة التي تُطلق بلا حرج وانخفاض مستوى الحوار في البرلمان، وللأسف نرى انعكاس هذا الحوار الهابط على عامة الشعب في تواصلهم اليومي.

تجوع الأذهان فلا تجد ما يشبعها ويغذيها من كتبٍ قيّمة وتعليم حقيقي وإعلام ثري، تضيق الآفاق وتضمر العقول فتغيب الفردية ويسهل تدجينها نحو ثقافة الاستهلاك والسطحية، والتي لها مستفيدون حتماً. تسأم القلوب من التسويف والوعود الباطلة بغدٍ أجمل لهذا البلد، فتبدأ بمقابلة الرؤى المستقبلية بالتفكه والاستهجان، والذي يعكس في حقيقته خوفاً من مستقبل ذي مصيرٍ مجهول. تشيخ الأفئدة قبل أوانها وهي تشهد انخفاض مؤشرات أداء الكويت في شتى المجالات، من تعليم وصحة وحقوق إنسان وغيرها الكثير يتداعى على مرأى من الجميع دون أن يحرك أحدهم ساكناً. يضيق بصيص الأمل شيئاً فشيئاً، يوماً بعد يوم، فيستحيل الموقف العام إلى التبلد واللامبالاة. تضيق الأنفس ذرعاً فلا تجد شيئاً من الترفيه حولها سوى الانغماس في الثقافة الاستهلاكية والمزيد من الشراء والتسوق.

تعبت الألسنة من كثرة الشكوى، وجفت الأقلام من الكتابة في المواضيع ذاتها، فأتت العقول بحل وهو النشاط الفردي والجماعي في مختلف المجالات من أدب وثقافة وفنون ونشاط سياسي سلمي، وكلها أمل في خلق موجة نهضوية ترتقي بالمجتمع، وإذا بسدود الخوف تُشيّد في صورة أجهزة رقابية اعتباطية متعددة تضيّق على الحريات ونعيق سياسي يحرض البسطاء على كراهية الآخر والحياة ومحاربة الفن والجمال بكل أشكاله، ورفض الحوار والخوف من التغيير.

لم يبق لنا أمل سوى نشر الوعي لخلق ثقافة شعبية واعية بحقوقها وقادرة على مطالبة من يديرون البلد بخدمات وأداء أفضل، مع الحرص على الشعور بمسؤولية العمل والعطاء لهذا البلد كي ينمو من جديد، فنحن أقوى معاً.

back to top