الاستمرار بعد انهيار «الميركلية»

نشر في 20-12-2017
آخر تحديث 20-12-2017 | 00:05
تكمن المفارقة الكبرى في زمننا في أن "الميركلية" تحولت إلى أزمة لأنها انتهكت مبادئها الخاصة، فقد تجرأت المستشارة الألمانية على اتخاذ موقف حازم في مسألة اللاجئين، مما أدى إلى اضطرابات في جزء من البلد.
 شبيغل السلطة! يبدو أن السياسيين في ألمانيا لا يريدونها، فقد هرب منها الديمقراطيون الأحرار، في حين يتعاطى معها الديمقراطيون الاجتماعيون بحذر واضح منذ أسابيع، ألا يُفترض أن تكون السلطة الحلم الأكبر؟ يشعر هؤلاء السياسيون أن تطوراً ما سيحدث، تطوراً كبيراً ينهي عهد ميركل، ونتيجة لذلك يتصرفون بطريقة مختلفة عن المعتاد.

ما زلنا بعيدين على الأرجح عن تخلي ميركل عن السلطة، ولكن من الجلي أننا دخلنا مرحلة متأخرة من "الميركلية"، كان هذا النوع من الحكم يسيطر على ألمانيا طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، ولا شك أن ألمانيا جنت الفوائد من "الميركلية". رغم ذلك لم تنجح ميركل في إجراء إصلاحات كبيرة لأن هذه الخطوة كانت ستثير استياء الناس وتنهي حالة الهدوء القسرية، كذلك تراجعت الديمقراطية قليلاً لأن الخلاف يشكّل شريانها الرئيس: المنافسة بين المواقف المختلفة. ومن عوارض هذا النوع من الحوكمة القاتمة الرغبة في تراجع إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع لأن ذلك يعود، حسبما يُفترض، بالفائدة على حزب ميركل، الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ.

تكمن المفارقة الكبرى في زمننا في أن "الميركلية" تحولت إلى أزمة لأنها انتهكت مبادئها الخاصة، فقد تجرأت المستشارة الألمانية على اتخاذ موقف حازم في مسألة اللاجئين، مما أدى إلى اضطرابات في جزء من البلد.

يسعى الحزبان الديمقراطي الاجتماعي والديمقراطي الحر اليوم للنأي بأنفسهما بعيداً عنها، فقد تعلم كلاهما من تجاربه بأن "الميركلية" تمتص أيضاً الطاقة من الآخرين، ورأى كلا الحزبين دعم ناخبيهما يتراجع بعدما شاركا ميركل في الحكم في ائتلافات سابقة، وما يشغل بالهما اليوم هو مرحلة ما بعد ميركل لأنهما يريدان أن يكونا في أفضل موقع ممكن عندما تحل تلك المرحلة.

تشهد المرحلة الأخيرة من أي عهد عادةً تحوّل الانتباه نحو المستقبل، لكن هذا ينعكس سلباً على الحاضر، ونتيجة لذلك تعاني ألمانيا راهناً غياب حكومة ثابتة على الصعيدَين المحلي والخارجي، فضلاً عن أن الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الديمقراطي الحر يفتقران إلى التوجيه، فباتت "الميركلية" اليوم محطمة، إذ كان هدفها تهدئة البلد لكن سياسة اللاجئين التي تبنتها وما تبعها من فقدان للسيطرة أثارا الاضطرابات بدلاً من ذلك، وسواء انتهى المطاف بألمانيا إلى العودة إلى ائتلافها الحالي أو تشكيل حكومة أقلية سيبقى الجزء الأكبر من التركيز على نهاية عهد ميركل، ولا شك أن عدم الاستقرار الذي ستولده هذه التركيبة من الشلل السياسي والصراع على السلطة ستطول لسنوات.

ولكن هل هذا ضروري؟ إذا كانت ميركل مهتمة حقاً بالاستقرار فمن الضروري أن تدرك أن البلد لن يستفيد البتة من بلوغها رقم هلموت كول القياسي مع 16 عاماً في الحكم أو تخطيه. إذاً على ميركل أيضاً أن تبدأ بتخيل مستقبل السياسات في ألمانيا: مستقبل من دون ميركل.

* ديرك كوربجويت

* «دير شبيغل»

back to top