اكتشِف جانبك المظلم واستفد منه

نشر في 19-12-2017
آخر تحديث 19-12-2017 | 00:04
No Image Caption
يحمل كل شخص منا جانباً كامناً قد لا يعرف بوجوده، ويكون مسؤولاً أحياناً عن القرارات غير الصائبة. لكن هل يمكن أن يكون التعرّف إلى جانبنا المظلم وتقبّل كل ما يقدمه لنا مفتاحاً للحياة السعيدة والناجحة؟ تعيش جوانبنا المظلمة خارج نطاق الوعي، وذلك يعني أنها تتحكم بكل ما يحصل معنا أحياناً من دون علمنا. يتشكل الجانب المظلم في مرحلة مبكرة من الطفولة لحمايتنا من سوء معيّن كالنقد أو الهجران، أو سوء المعاملة. لكن مع مرور الوقت واكتساب النضج، تتحوَّل تلك الأداة الواقية إلى قوة تخريبية.


لكل شخص جانبه المظلم ولا تتشكل الشخصية الكامنة انطلاقاً من التجارب الواسعة فحسب بل إنها تتأثر أيضاً بأبسط الحوادث مثل تعليق لاذع من شخص غريب.

تؤثر الشخصيات الكامنة بطرائق مختلفة في حياة الناس، وتدفع البعض إلى كتم مشاعره في علاقاته. إذا شعر الشخص بأنه استُبعِد من مجموعة أصدقائه في طفولته، قد تنشأ في داخله رغبة قوية في نيل إعجاب جميع الناس، من أصدقاء وغرباء على حد سواء. حتى أنه ربما يخاف من إغضاب الآخرين أو من التعّرض للرفض لدرجة أن يسترضي الجميع بشكلٍ مبالغ فيه ولو على حساب سعادته الخاصة أحياناً. حين يكتشف ذلك الشخص نمط سلوكه، يمكنه أن يحدد تفاصيله وخلفيته ويبدأ العمل على استعادة ثقته بنفسه في المواقف المناسبة. يمكن أن تتحول هذه العملية إلى مسيرة تعليمية مثمرة وتحقق نتائج مدهشة وغير متوقعة لأنها تسمح للشخص المعنيّ بأن يتعرّف إلى نفسه بدرجة إضافية مع مرور كل يوم.

على صعيد آخر، تؤثر الشخصية الكامنة في المواقف الشائكة في الحياة. يحاول الخبراء في هذا المجال أن يساعدوا الناس على تحديد شخصياتهم الكامنة من خلال تسميتها وإطلاق عملية كشف ذلك الحوار الداخلي والمشاعر التي ترافقه. تبقى المشاعر داخل الجسم على حالها. من خلال تحديد المؤشرات المرتبطة بتوقيت ظهور تلك الشخصية الكامنة، يمكنك أن تتعاون معها كي تسترجع ذاتك الأصلية. لحسن الحظ، اليوم تتعدد الأساليب المستعملة لتحقيق هذه الغاية، من بينها التنفس واليوغا والتأمل أو أية ممارسة أخرى تسمح لك باستعادة ثباتك وتوازنك بدل إثارة غضبك وزيادة انفعالاتك.

حين تنهي تلك المرحلة، ستقول في نفسك: «هذه هي الشخصية التي تجعل الآخرين يعجبون بي لكني لن أتمسك بها. هذه المرة سأقوم بخيار مختلف!»، ثم ستقيم علاقة واعية مع ذلك الجزء من ذاتك بدل أن تضيع في دوامة اللاواعي. نملك جميعاً عدداً من تلك الأجزاء الداخلية ويمكن أن نسمّي كل جزء منها. إذا كنت تفكر بناءً على المؤشرات البصرية مثلاً، ستستفيد من رسم أو جمع مختلف النماذج.

تبرز أيضاً أمثلة شائعة أخرى عن الشخصيات الكامنة: ربما تنشأ الشخصية النقدية الكامنة لدى امرأة لا تكف عن انتقاد زوجها لتوسيع الشرخ في العلاقة بينهما. في المقابل، يمكن أن تنشأ الشخصية التي تسعى إلى تحقيق الإنجازات لدى شخصٍ يحاول أن يثبت لوالديه أنه يستحق الحب عبر العمل بشكلٍ مبالغ فيه.

حين تبدأ باستكشاف تأثير الجانب المظلم في حياتك وقدرته على بث الفوضى فيها، تقضي الخطوة اللاحقة بتقبّل تلك الأجزاء المكبوتة من الذات. لتحقيق هذا الهدف، يكون التعاطف مع الذات عاملاً محورياً نظراً إلى أهميته بالنسبة إلى الراحة والسعادة. يصعب أن تستمتع بحياتك أو تعبّر عن مهاراتك ومواهبك إذا كنت تتعامل طوال الوقت مع صوت نقدي صارم في رأسك لأنه سيعكّر مزاجك ويُضعِف ثقتك في نفسك.

قبل أن تتمكن من التعاطف مع الأشخاص الآخرين في حياتك، يجب أن تتعلم أولاً فن التعامل اللطيف مع الذات. يكون التعاطف مع الذات مرادفاً لحب الذات ويتطلب وقف البحث عن الكمال وتقبّل الذات ومسامحتها رغم جميع الأخطاء المرتكبة والعيوب والصراعات السابقة، ما يعني تقبّل الجانب المظلم فيك باعتباره طبيعياً وبشرياً بدل التنكر له وإخفائه ومهاجمته داخلياً. تكون الأخطاء والعيوب كفيلة بتعريفنا إلى مزايا البشر واستخلاص الدروس منها لزيادة قوتنا ومستوى وعينا الذاتي.

اتْبَعْ المؤشرات

يمكن اعتبار الجانب المظلم بمنزلة خصم داخلي يعمد إلى فضح عيوبنا وتحسين مهاراتنا. لا يطرح هذا الجانب مشكلة فعلية، ويجب ألا يتحول إلى عدو يستحق الهجوم والهزيمة، بل إنه مجال خصب يحتاج إلى التطوير. تتألف الأنماط السلوكية الكامنة من مؤشرات قيّمة تكشف أعمق رغباتنا وآمالنا.

يمكن إيجاد أنواع المؤشرات في هذا النوع من السلوك المرتبط بهويتنا وحاجاتنا والأفكار التي نمتنع عن التعبير عنها بطريقة واعية. لنفترض مثلاً أن رجلاً يخون زوجته. لا يستطيع هذا الرجل أن يتحكم بشخصية الخائن الكامنة فيه. تحمل هذه الشخصية عند نشوئها معلومات كثيرة: ما الذي ينقصه في زواجه؟ ما الذي يعجز عن التعبير عنه؟ في حالات أخرى، ربما تظهر الشخصية الكامنة عبر سلوكيات مرتبطة بالطعام أو المزاج، لكن يبقى التعبير عنها في اللاوعي، فلا نفهم حينها ما نحتاج إليه أو كيفية إيصال تلك الرغبات إلى مستوى الوعي.

شغّل قوتك الداخلية

لا يقودنا الجانب المظلم إلى مواقف صعبة وخارجة عن السيطرة فحسب، بل إنه يشكّل مصدراً لأعلى درجات الإبداع والقوة لأنه يشمل طاقة غير مستغلة. نتيجةً لذلك، سننضج ونستفيد كثيراً حين ندرك مكوناته ونستعمل قوته. يُخزَّن معظم طاقتنا الإبداعية في جانبنا المظلم، وحين نحرر الطاقة العالقة فيه، سنصل تلقائياً إلى العقل الواعي، ما يؤدي إلى تضخّم مظاهر الإبداع بأشكاله كافة.

لكن في حالات كثيرة، يصبح الجانب المظلم أداة لاستنزاف الطاقة لأننا نهدر نسبة هائلة منها حين نحاول إنكار ذلك الجانب أو القضاء عليه. لن ننجح حينها بتدمير الجانب المظلم بل إننا سنسترجع الطاقة التي استعملناها لقمعه بكل بساطة، ما يسمح لنا بالعودة إلى وضعنا البشري الطبيعي الذي يشكّل أحد أبرز مصادر الطاقة الإبداعية غير المحدودة التي تُسمّى اليوم «الحماسة».

يشمل الجانب المظلم صفات إيجابية متعددة لكنها خامدة. إذا نشأت إحدى الفتيات مثلاً في عائلة رياضية لكنها كانت تحب في سرّها الرسم أو الموسيقى ولم تكن عائلتها تحترم موهبتها بل تدفعها إلى عالم الرياضة، سيصبح الفن في هذه الحالة جزءاً من جانبها المظلم. أو إذا أراد شاب أن يصبح كاتباً لكنّ والده المحامي أقنعه بمزاولة مهنته، ستصبح قدرته الأدبية جزءاً من جانبه المظلم بعد قمعها.

في منتصف العمر، يبدأ الناس غالباً بالتشكيك في نمط عيشهم خلال النصف الأول من حياتهم، فيعودون ويستخرجون جزءاً من تلك المواهب الإيجابية التي دفنوها في جانبهم المظلم، بمعنى أنهم يعودون إلى الرغبات التي ضحّوا بها بسبب الضغوط العائلية أو الاجتماعية أو المادية. في بعض الحالات، تتخذ الرغبات المكبوتة شكل غيرة وتترافق مع تعليقات جارحة لأي شخص يزاول المهنة التي كان يحلم بها منذ البداية. لكن يمكن تحرير أية موهبة أو رغبة حتى لو بقيت كامنة في الجانب المظلم فترة طويلة. لدينا حياة كاملة كي نستكشف علاقتنا مع جانبنا المظلم ونحررها ونوصلها إلى مستوى الوعي ونختبر ذاتنا الحقيقية والمشاعر التي تخفيها. تبقى فرص إصلاح الشوائب الداخلية ومعرفة الذات لامتناهية!

استعمِل الأحلام لاستكشاف جانبك المظلم

• احتفظ بدفتر بالقرب من وسادتك لأن الخطوة الأولى تتعلق بتذكّر الأحلام. حين تحلم، ستحتكّ بعقلك اللاواعي. مع كل حلم، يقدّم لنا العقل الباطن مبادرة إيجابية لكننا نتجاهلها إذا لم نتذكر أحلامنا أو لم نعترف بقيمتها.

• لا تخف من الكوابيس لأنها تظهر حين يتضخم الجانب المظلم إلى أقصى حد. عندما تعتبر «الكابوس» مجرّد حلم سيئ، لن تتمكن من فهمه وتقبّل خفاياه. ربما يكون مؤشراً على شفاء العقل!

• تدرّب على الحلم الواعي لأنه يسمح بتنشيط الجانب المظلم عمداً والتحاور معه وتقبّله كمصدر للطاقة. سيصبح الوضع مثيراً للاهتمام في هذه المرحلة تحديداً!

الجانب المظلم يشكّل مصدراً لأعلى درجات الإبداع والقوة
back to top