الرئيس الصيني شي بلا قيود

نشر في 18-12-2017
آخر تحديث 18-12-2017 | 00:28
 بروجيكت سنديكيت ها هي ذي الصين تتحدى التوقعات مرة أخرى، إذ كان من المتوقع على نطاق واسع أن يواجه زعيم الحزب الشيوعي الصيني الرئيس شي جين بينغ أقسى اختبار حتى الآن في أكتوبر، عندما عقد الحزب مؤتمره الوطني التاسع عشر لاختيار قياداته التالية، ورغم أن شي كان ضامناً فترة ولاية ثانية مدتها خمس سنوات، لكنه كان من المعتقد أنه يجب أن يصادف معارضة شديدة إذا رفض تعيين خليفة له، لكنه فعل ذلك تحديداً، ولم تَظهر المعارضة قط.

والسبب بسيط: كان شي مستعداً، فمنذ تولى منصبه عام 2012، أدار حملة صارمة متواصلة ضد المجتمع المدني، فأطلق العنان لموجة من القمع، تصور قليلون أنها قد تكون في حكم الممكن بالصين بعد عصر ماو تسي تونغ، كما شن حملة واسعة لمكافحة الفساد، قيدت بل حتى أزالت المنافسين السياسيين المحتملين، فتمكن بالتالي من توطيد سلطته بسرعة.

وفي وقت سابق من هذا العام، عندما اختطف رجال الأمن الصينيون شياو جيان هوا، الملياردير المولود في الصين، والذي يقيم في هونغ كونغ، ليكون شاهداً محتملاً ضد كبار القادة، تم له القضاء على أي مقاومة متبقية لحملته الرامية إلى تعظيم سلطته. مع ذلك، ولتعزيز موقفه أكثر في فترة التجهيز للمؤتمر، جرى في يوليو القبض فجأة على أحد أعضاء المكتب السياسي الدائم، والذي كان يعد خليفة محتملاً، بتهمة الفساد.

وعندما انعقد المؤتمر أخيراً استفاد شي من هذا الزخم لتثبيت اثنين من حلفائه في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، وهي الهيئة العليا لصنع القرار في الحزب، ومن خلال منع الحزب الشيوعي الصيني من تعيين خليفة، فتح شي الباب لولاية ثالثة عام 2022.

بكل المقاييس التقليدية خرج شي من عام 2017 وقد أصبح أقوى من أي وقت مضى، والسؤال الآن: ما إذا كان قادراً على استخدام هذه القوة لترجمة رؤيته للصين - وخصوصاً اقتصادها - إلى حقيقة واقعة.

على هذه الجبهة، أحرز شي تقدماً هائلاً في ولايته الأولى، حيث سخر البيروقراطية الصينية منفرداً لتنفيذ «مبادرة الحزام والطريق» التي تتسم بالطموح، لكنها محفوفة بالمخاطر، وتستلزم استخدام التمويل الصيني، والمواد والخبرات الصينية لتشييد البنية الأساسية التي تربط بين البلدان في أرجاء آسيا، وإفريقيا، وأوروبا بالقوة الاقتصادية العالمية الطاغية التي أصبحت عليها الصين.

لكن حتى في ظل قوته التي تعاظمت إلى حد كبير، يظل نجاح شي المستمر في تنفيذ رؤيته الاقتصادية غير مؤكد، في أفضل تقدير، ويرجع هذا تحديداً إلى أيديولوجيته التي يفرضها بالقوة، وسلطته التي تقوم على القمع، فرغم الهجمة الدعائية الخاطفة التي تشيد برؤيته للصين فإن من المشكوك فيه أن يكون عدد كبير من الصينيين، بمن في ذلك أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، يعتقدون حقاً أن مستقبل بلادهم يكمن في نظام سلطوي مركزي قائم على الخوف.

في حقيقة الأمر، ورغم صعوبة العثور على مقاومة صريحة لرؤية شي - فهو أمر بالغ الخطورة في أيامنا هذه - فإن المقاومة السلبية منتشرة، وأكثر معارضيه شراسة ليسوا بين أعضاء الجماعة المنشقة الضئيلة في الصين، بل أولئك الذين ينتمون إلى طائفة البيروقراطيين في الحزب، الذين تحملوا وطأة حملته لمكافحة الفساد، وهو ما لم يقتصر على خسارة الدخل والمزايا غير المشروعة فحسب، بل شمل أيضاً إخضاعهم لترهيب لا ينقطع بفعل التحقيقات المسيسة.

وإذا لم يتمكن شي من استعادة دعم المسؤولين في الحزب على المستويين المتوسط والأدنى فإن خطته لإعادة تشكيل الصين ربما تفقد زخمها وتخفق، فهو مهما بلغ من قوة لا يستطيع في نهاية المطاف التهرب من الحقيقة التي عبر عنها قول مأثور صيني قديم «الجبال شاهقة والإمبراطور في مكان بعيد».

وفي غياب الوعد بمكافأة مادية كافية ربما يعتنق المسؤولون السياسيون في الحزب المنطق الذي ساد بين المواطنين في بلدان الكتلة السوفياتية السابقة «نحن نتظاهر بالعمل، وهم يتظاهرون بأنهم يدفعون لنا».

وبعيداً عن البيروقراطية المتمردة، ربما يواجه شي تحدياً خطيراً من جانب ما يسمى فصيل رابطة الشباب في الحزب الشيوعي الصيني، والمنتسب إلى الرئيس السابق هو جين تاو، ولأن اثنين من أعضاء اللجنة الدائمة الجديدة، المكونة من سبعة أعضاء، يتمتعان بحماية ورعاية هو جين تاو، لا يمكننا استبعاد حدوث صراع بين رابطة الشباب وفصيل شي.

بطبيعة الحال من المحتمل أن يتمكن شي من التغلب على المقاومة من جانب رابطة الشباب، فقد نجح بالفعل في إلحاق الهزيمة إلى حد كبير بالفصيل الذي كان متصلاً بالرئيس السابق جيانغ تسه مين، والذي كان يشكل سابقاً أقوى مجموعة منافسة داخل الحزب الشيوعي الصيني، لكن حتى لو تمكن شي من إخضاع رابطة الشباب فسيصبح نظامه أكثر تفتتاً وأقل همة وعزيمة.

كما يواجه شي تحديات كبرى تتعلق بالسياسات، فعلى الجبهة الاقتصادية يتعين عليه أن يتعامل مع ديون متزايدة الارتفاع، فضلاً عن القدرة الفائضة، وتحول أميركا في عهد الرئيس دونالد ترامب نحو تدابير الحماية، وكل هذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم ضعف النمو. وعلى ساحة السياسة الخارجية أيضاً يواجه شي علاقات متدهورة مع الولايات المتحدة، وهو التدهور الذي يتغذى على التهديد النووي الكوري الشمالي، وسلوك الصين العدواني في بحر الصين الجنوبي.

توحي البداهة التقليدية الجديدة بأن شي سيتمكن من اكتساح زملائه عام 2022، بصرف النظر عن أدائه في السنوات الخمس المقبلة، ولعل هذه تكون الحقيقة، لكن السلطة السياسية سريعة الزوال، وخصوصاً مع زعماء يفتقرون إلى سجل اقتصادي متين، وربما يكون لدى شي وأنصاره من الأسباب ما يجعلهم يحتفلون في الوقت الحاضر، لكن لا ينبغي لهم الاعتماد على تكرار احتفالاتهم وقرع الكؤوس بعد خمس سنوات.

* مينشين باي

* أستاذ علوم الإدارة الحكومية في «كليرمونت ماكينا كوليدج»، ومؤلف كتاب «الصين ورأسمالية المحسوبية».

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top