البوم مظلوم!

نشر في 16-12-2017
آخر تحديث 16-12-2017 | 00:02
 جري سالم الجري كنت في المركز العلمي بالسالمية، ماثلاً أمام شخصية جليلة، جاثمة بمخالبها على غصن عظيم، تنظر إلي بقوة، بوجهها الشجاع والمطمئن، شعرت بها تبث فيَّ من طمأنينتها وسكينتها التي يعيشها، فكم كانت صابرة علي وأنا أصور عينيها بالكاميرا ذات ومضات الفلاش الحادة، فتصغر وتكبر حدقاتها أمامي، ولكن سرعان ما تذكرت التخلف الذي نعانيه من خرافات موروثة عن تلك الشخصية، فبدأت بطرح السؤال تلو السؤال!

لماذا تحظى البومة بسمعة حسنة في الغرب؟ بينما تعاني سوء التقدير عندنا رغم نبل أخلاقها المشابهة للصقر والنسر والمخالفة للفواسق من الغربان والخائبة من الرخمان؟ فزنوج الحمر في أميركا يلبسون ريشها لطرد الأرواح الشريرة، وفي اليونان نقشوا صورتها على النقود كرمز للثراء الآتي من الترشيد الاقتصادي، واليابانيون يسمونها "فوكورو" الجالبة للحظ السعيد، والحامية من الصعاب في وقت الشدة، وفي المكتبات الأوروبية ستجد رسوماً وأصناماً لها كرمز للرزانة، والعقلية الفاحصة، ذات النظرة الثاقبة. أما عندنا، فتجدها شعاراً للنكد والنحس. وهذا من "التطاير" الذي حرمه الله عز وجل، وما التطاير إلا اعتقاد جاهلي بأن من رأى البوم أو الغراب أصبح منحوسا، رغم أن البوم بريء تماما من تهم كهذه ومن جور الجهلاء الذين روجوا أحاديث موضوعة لا تصح عن الرسول عليه الصلاة والسلام في كرهه لذاك الكائن النبيل.

ولعلم الطاعنين في نسبه، فإن ذلك الطائر ينتسب إلى قبيلة تكفيه شرفا، متكونة من أكثر من 155 نوعاً من البوم، وله ثلاثة جفون في عينه، الأولى ليرمش، والثانية ليصفي قرنيته، والأخيرة للنوم، أما ضخامة عينه فهي لامتصاص أكبر كمية من الضوء أثناء عمله النشيط بالليل، ولم يقصد بهما إخافتنا! ولكي تتأكد من صحة هذه المعلومات، فما عليك إلا أن تنظر داخل أذنه التي تكشف كامل كرة عينه الفخمة!

يجهل الكثيرون أن البوم هو فارس الليل، الذي يطهر البلاد من الفئران والأفاعي والجرذان والعقارب، لينقذ العباد من سائر سموم السحالي وأوبئة القوارض. ففي الليلة الظلماء يحدق بفأر أسود داخل جحرة بعتمة الظلام وهو شامخ بقمم الأشجار، يدرس كل قياسات الأغصان والفروع، ويعالج خطوات الفأر، ليحكم دراسته، وليطير برفرفة لا يسجل لها جهاز الكاشف الصوتي أي أمواج صوتية سوى صوت قفزة البداية، بسبب هندسة ريشه المشابهة لطائرة الشبح، ليغرس خناجر أقدامه بكتلة الفأر، وليلتقمه بلا أي إزعاج لفلاحي المزرعة التي يعيشها أو لسكان المدينة التي يقطن بيوتها المهجورة. ألا يذكرنا ذلك بالموظف الذي يعمل بجد وبدون بهرجة؟ ذاك الموظف الذي يلقى وافر التقدير عند الغرب؟

ألم يأنِ لنا تقدير كل "بوم" يعمل بدون نعيق في بيئتنا؟ مهما كان انطوائيا، ومهما كان شكله غير مألوف؟ فلتجرب عزيزي القارئ الامتثال مرة أمام هذا الطائر بعدما تتخلص من أي موروث اجتماعي يعكر صفو الشعور بحضرته، ستشعر أن عينيه تنبضان في قعر جمجمتك، وستروي هالته روحك بسكينة غريبة تغسل أي توتر تشعر به!

back to top