صوت الصمت

نشر في 15-12-2017
آخر تحديث 15-12-2017 | 00:06
أنصِت إلى صوت الصمت، ولا تَهَب الوحدة، فكم من ناسك رأى وجهاً من الحقيقة في محرابه... قد تكون الوحدة موحشة ومخيفة في البداية، وقد تشيح بوجهك عن أعماقها المهولة وتعبث بهاتفك كي تهدئ من روعك، لكنك ما إن تألفها حتى تتجلى لك الكثير من الحقائق.
 دانة الراشد اسْتَمِع إلى صوت الصمت، وأنصِت إلى ما لا يقال، فهذا هو بيت القصيد، وهناك يقع المعنى الأعظم، انظر إلى بريق الأعين، هناك سترى انعكاس كل رغبةٍ دفينة، في النظرات الجليدية التي تعلو الابتسامات الصفراء، إلى تلك الأعين المشتعلة المقرونة بالشفاه الموصدة.

أنصِت جيداً إلى تلك الكلمات التي تنزلق متعثرة وسط أحاديث لا تشبهها، كن متيقظاً ولا تدع تلك التفاصيل تمر عليك مرور الكرام– وما أسهل ذلك في زمن السرعة و"الآيفون"!- ففيها مفاتيح التواصل الحقيقي وفهم الآخر.

لا تراقب الآخرين كي تحكم عليهم بقسوة، بل استقبلهم كي تتفهم وجهة نظرهم وتحسن التصرف معهم في المواقف المختلفة.

اعرف أن قلبك ثمين... كم كنت أتمنى لو كانت جميع العلاقات الإنسانية شفافة ونقية، لكن شيئاً من الحدود قد يحمي قلبك من الانكسار وخيبات الأمل في زمن أصبح البشر يستهلك بعضهم بعضاً كأي مادة استهلاكية أخرى. واقعياً فإنك لن تستطيع حماية نفسك من جميع الآلام التي تمر في طريقك؛ هذه هي سنّة الحياة، لكن لا تحتفظ بالمرارة داخل قلبك فتحيل كل ما حولك سواداً. فإن كان ولا بد فلتكن تلك الآلام التربة الخصبة لنمو بَذْرِكَ النّدِي وتحوله إلى شجرٍ مثمر.

أنصِت إلى صوت الصمت، ولا تَهَب الوحدة. فكم من ناسك رأى وجهاً من الحقيقة في محرابه... قد تكون الوحدة موحشة ومخيفة في البداية، وقد تشيح بوجهك عن أعماقها المهولة وتعبث بهاتفك كي تهدئ من روعك، لكنك ما إن تألفها حتى تتجلى لك الكثير من الحقائق. سيصبح لديك معرفة أكبر بذاتك، وتغدو بوصلتك أكثر وضوحاً وحسماً، ليعلو صوتك الداخلي فوق أي قالبٍ اجتماعي أو خوفٍ دفين.

اخلُ إلى السكينة في زمن كثرت فيه الثرثرة والترهات. ستزال الغشاوة عن ذهنك ويصبح أفقك أكثر صفاءً، هناك خلف بوابة الصمت... ستجد نفسك.

● "الصمت يمنحك متعة التنزه في عقول الآخرين". (جورج برنارد شو).

back to top