المضايقة في المدرسة: قدّمي له مفاتيح الدفاع عن النفس

نشر في 13-12-2017
آخر تحديث 13-12-2017 | 00:00
No Image Caption
صار ملعب المدرسة أشبه بأدغالٍ يطلق فيها الأولاد صخباً أكثر من غيرهم. لا نتحدّث عن تحرّشٍ حقيقي في الحضانة، ولكن لا بدّ من مساعدة الأضعف في التصدّي لعنف الآخر. اتبعي نصائح الخبراء لتحوّلي طفلك الخجول إلى بطلٍ خارق!

المرحلة الأولى: اكتشفي المشكلة

على عكس الأطفال الأكبر سنّاً، يصارح الصغار والديهما بسهولة ويسردان لهما ما جرى معهم خلال اليوم عند عودتهم من المدرسة. هل يقول لك طفلك إنّ الآخرين يضايقونه في الملعب أو إنّ ثمة شخصاً يسيء معاملته؟ لا تتجاهلي الموضوع وتعتبري أنّ الأمر ليس سيّئاً وأنّه سيواجه مشاكل كثيرة أخرى من هذا النوع ويستطيع تدبّر أمره لأنّه كبير كفاية... فالطفل الذي يتعرّض للمضايقة يضعف. لذا استمعي إلى كلامه وأظهري له اهتمامك واستعدادك لمساعدته عندما يحتاج إليك. فإذا لاحظ أنّك تستخفّين بالموضوع، سيتوقّف عن إخبارك بأيّ أمر حتى إن كانت المشكلة تتفاقم معه. لذا اطرحي عليه أسئلة عمّا يحصل لتتّضح الصورة أمامك: من يزعجك؟ كيف بدأ الأمر؟ ما الذي فعله لك تحديداً؟ وأنت؟ هل هاجمته أوّلاً؟ هل هو شجار لمرّة واحدة لأنّه مرتبط بظرفٍ معيّن؟

يعتبر الملعب في مرحلة الروضة مكاناً يطلق فيه الأطفال العنان لكبتهم، وفي الوقت ذاته يتعلّمون رفض الإساءات الموجّهة إليهم. فلا مفرّ من الشجار والنزاع والمواجهة الجسديّة، خصوصاً أنّها مفيدة ليجد الطفل مكانته ضمن المجموعة ويحترم الآخرين ويفرض احترامه خارج المنزل، بشرط ألّا يكون الأكبر سنّاً في موقع السيطرة والقوّة دائماً في حين يبقى الأصغر خاضعاً له. إذا كان طفلك يشتكي طوال أيّام متتالية من تعرّضه للتخويف، وإذا أخبرك بأنّ لا أحد يريد اللعب معه، أو إذا كان مزاجه يتقلّب، أو إذا كان يأبى الذهاب إلى المدرسة... حينئذٍ عليك توخّي الكثير من الحذر. وفي حال أكّدت لك معلّمته أنّ طفلك منعزل أحياناً ولم يكوّن صداقات كثيرة ويواجه صعوبة في التواصل مع زملائه واللعب معهم، فأنت إزاء وضعٍ صعب ومشكلة لا بدّ من حلّها ومعالجتها.

المرحلة الثانية: تجنّبي الإفراط في الاهتمام

يكون ردّ فعل الوالدين الأول الإسراع إلى نجدة طفلهما الواقع في مأزق. سيتحدّثان بالسوء عن الطفل الشرّير الذي يضرب صغيرهما بالطابة أو ينتظران الطفلة المشاكسة التي تشدّ شعر أميرتهما في نهاية اليوم الدراسي ليوبّخانها. لكنّ هذه الطريقة لن تمنع المذنبين من معاودة شغبهما في اليوم التالي. في أعقاب هذه المحاولة، يتوجّه الوالدان إلى ذوي المشاغبين الذين سيعتبرون هذا الحديث إهانة لهم لأنّ طفلهم البريء يتعرّض للاتّهام بالعنف. باختصار، يزيد تدخّل الأهل مكان الطفل في المشكلة الوضع سوءاً بدل إصلاحه. حسب الخبراء، يجعل الأهل من طفلهم ضحيّة حين يتوجّهون إلى المعتدي، كما لو كانوا يقولون له: «هيّا، تستطيع أخذ ألعابه في غيابنا، فهو يعجز عن الدفاع عن نفسه!». أمّا طفلهم المعرّض للعنف فيترجم هذا وفق موضعه كضحيّة: «هيّا، استمرّ في مضايقتي، فأنا فاشل ولا أستطيع الدفاع عن نفسي بنفسي!».

ردّ الفعل الثاني الشائع لدى الأهل المبالغين في حماية طفلهم توصية الأخير بأن يشتكي فوراً إلى الكبار، فيقولون له: «إذا أزعجك أحد الأطفال توجّه فوراً إلى المعلّمة وأخبرها بما جرى!». يولّد هذا السلوك أيضاً تأثيراً سلبيّاً بحسب علماء النفس لأنّه يعطي الطفل المستضعف هويّة الواشي، ويعلم الجميع أنّ هذه الصفة سيّئة في العلاقات الاجتماعيّة. فمن يشتكي إلى المعلّمة تتشوّه صورته في نظر رفاقه ويفقد «شعبيّته» إلى حدّ كبير.

أخيراً، ردّ الفعل الثالث والاعتياديّ للأهل المقتنعين بالتحرّك لصالح طفلهم المعرّض للإساءة يكمن في لفت انتباه المعلّمة إلى المشكلة لتتدخّل وتدافع عنه. فيقولون لها مثلاً: «يتعرّض البعض إلى طفلي في الصفّ و/أو الملعب. انتبهي إلى الأمر». بالتأكيد ستتدخّل المدرّسة لكنّها بهذه الطريقة تعيد رسم صورة الطفل الضعيف العاجز عن الدفاع عن نفسه والذي يتذمّر طوال الوقت في نظر زملائه. في بعض الأحيان، تغيظ الشكوى والتذمّر المستمرّان المعلّمة فتقول له: «توقّف عن القدوم إليّ والتذمّر! حاول تدبّر أمورك بمفردك قليلاً!». حتّى لو هدأ الوضع لأنّ الأطفال المشاغبين نالوا عقابهم وصاروا يخشون قصاصاً جديداً، فإنّ الانتهاكات تعود غالباً ما إن تشيح المعلّمة بنظرها.

المرحلة الثالثة: مساعدة الطفل في تغيير موقعه

لحسن حظّ الصغار المعرّضين للمضايقة، يتوافر سلوك مناسب لحلّ المشكلة من جذورها. على عكس ما يظنّ كثيرٌ من الأهل، فإنهم إذا جنّبوا طفلهم الخطر جعلوه ضعيفاً أكثر من قبل. يحمونه أكثر أو أقلّ، ويقفون بجانبه ولكن ليس بينه وبين العالم، فيساعدونه في الدفاع عن نفسه والخروج من موقع الضحيّة نهائيّاً. قواعد الملعب واضحة: تحلّ المشاكل بالدرجة الأولى بين الأولاد، ومن يرفض التعرّض لمزيدٍ من المضايقة، عليه الانتفاض على المعتدين وردعهم.

لهذا السبب، يحتاج إلى أداة لمواجهة المعتدي. ينصحك الخبراء ببناء «سهمٍ كلامي»، ربّما يكون جملة صغيرة أو حركة أو سلوكاً، يساعد طفلك في إحكام السيطرة على الموقف مجدداً والخروج من موقع المتقوقع/ الكئيب. تنصّ القاعدة على الاستعانة بما يفعله الآخر وتغيير الموقف لمفاجأته. لهذا السبب يُطلق على هذه التقنيّة مسمّى «الجودو الكلامي». سلوى وماجد زميلان في دار الحضانة يبلغان من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة. تعجز الفتاة عن مقاومة قرص وجنتي رفيقها السمينتين بقوّة. شرحت لها المساعدات في المدرسة أنّ هذا العمل ليس جيّداً ويسبّب الألم، حتّى أنّهنّ عاقبنها. كذلك في المنزل، عاقبها والداها بسبب تصرّفاتها العنيفة مع رفيقها. ولكن لم يجدِ أيّ أمرٍ نفعاً لدرجة أنّ فريق العمل نوى الطلب من والديها أن يغيّرا لها دار الحضانة. لكنّ الحلّ ليس في يد سلوى، بل يأتي من ماجد الذي عليه هو تغيير سلوكه. كان يخاف ويجهش بالبكاء قبل أن تقرص صديقته خدّيه حتّى. فوضع الحلّ بين يدي الصبي: «إمّا تبقى كالعجينة تتعرّض للقرص المستمرّ أو تتحوّل إلى نمرٍ وتزأر بأعلى صوتك!»، فتخلّى عن النحيب واختار الزئير. زأر حين انكبّت عليه سلوى فكانت الصدمة التي جعلتها تتوقّف عن فعلتها فوراً بعدما فهمت أنّها ليست أبداً قويّة. منذ ذلك الوقت، لم تعاود قرص خدّيه.

في حالات التحرّش، لا بدّ من مساعدة الطفل المعرّض للتعنيف في تبديل الأدوار من خلال إنشاء خطر. ما دام المعتدي لا يخشى هذا الطفل، فلن يتغيّر الوضع. إليك مثالاً آخر: ليا، ابنة الخمسة أعوام، كان فؤاد يدفعها ويتعرّض ويستمتع لحظة يراها تبكي. لإعادة إطلاق «السهم الكلامي»، اضطرّت ليا إلى التحدّث إلى فؤاد لحظة وصوله إلى المدرسة قائلة: «أخبرتني أختي الكبيرة وصديقاتها بأنّ الصبي الذي يضرب فتاة يكون واقعاً في حبّها ولا يجرؤ على إخبارها! إذاً أنت حبيبي، صار الجميع يعرف هذا الآن!». بعد هذه اللحظة، توقّف فؤاد عن إزعاجها خشية أن يلقّبه أصدقاؤه بالعاشق الولهان. عادت ليا مسيطرة على الوضع وازدادت ثقتها في نفسها.

إذا جنّب الأهل طفلهم الخطر بنفسهم جعلوه ضعيفاً أكثر من قبل
back to top