في قطار الحياة

نشر في 12-12-2017
آخر تحديث 12-12-2017 | 00:07
 يوسف عبدالله العنيزي الحياة قطار يسير بسرعة متناهية قد تفوق سرعة الضوء، يتوقف في محطات منتشرة على مساحة العالم، عابرا الجبال والوديان والأنهار والبحار حتى المحيطات، توقفه قد يستغرق لحظات، وقد يطول لسنوات، تصعد إليه شخصيات من مختلف المناصب ومن مقصورات هذا القطار أكتب سلسلة هذه المقالات التي تتحدث عن بعض تلك اللقاءات، وما يمكن نشره مع كل تقديري لكل من صعد أو ترجل من هذا القطار، الذي ما زال مستمرا في اندفاعه إلى أن يشاء الله.

بدأ هذا القطار رحلته في الشهر التاسع من عام 1974 انطلاقا من مدينة الكويت الغالية إلى مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، حيث توليت مسؤولية الشؤون القنصلية بدرجة ملحق دبلوماسي، ولعل أروع حدث مر بي في تلك الفترة المشاركة في غسل الكعبة المشرفة من الداخل، وقد تحدثت عن تلك اللحظات مرات عديدة، ولكني في كل مرة أشعر بأحاسيس تختلف عن سابقتها، فما زالت تلك اللحظات عالقة في الذهن والوجدان بكل تفاصيلها، فما كدت أخطو العتبة الأولى من السلم للدخول إلى صحن الكعبة المشرفة حتى أحسست بقشعريرة تنتابني من رأسي إلى أخمص قدمي برهبة وخشوع، كيف لا وأنا سأكون ضيفا عند الرحمن في بيته العتيق بلحظات لن يجود الزمان بمثلها.

بتاريخ 25 مارس من عام 1975 فجعت الأمة العربية والإسلامية بحادث اغتيال الملك فيصل بن عبدالعزبز، طيب الله ثراه، وقد أقامت وزارة الخارجية السعودية مجلس عزاء في الصالة الكبرى، في مبنى الوزارة بمدينة جدة، وقد وقف سمو الأمير الملكي سعود الفيصل، رحمه الله، في وسط الصالة التي غصت، رغم اتساعها، بالحضور من رؤساء البعثات الدبلوماسية وممثلي الدول والهيئات العالمية، وقد بلغ أغلبهم من الكبر عتيا، في حين كنت في بداية حياتي الدبلوماسية.

كانت مراسم تقديم العزاء تقتضي أن يتقدم الحضور للوقوف أمام سمو الأمير الملكي ليلقي كلمة تعزية ثم مصافحته، وعندما جاء دوري وقفت ولم أكن قد أعددت أي كلمة أو برقية، فارتجلت بعض الكلمات جاء فيها "سمو الأمير في هذا اليوم الحزين لم آتِ لتقديم العزاء، بل جئت لتلقي التعزية بمعيتكم، فمصابنا في الكويت لا يقل عن مصابكم بالمملكة".

أثناء عملي في مدينة جدة كلفت للذهاب إلى مدينة الرياض، حيث وصل إليها سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، استمرت عدة ساعات لتقديم التهنئة لجلالة الملك خالد بن عبدالعزيز، رحمه الله، بعد عودته من رحلة العلاج، وأثناء الخروج من مطار الرياض، وقد تشابكت أيدي الزعيمين دار حوار يعبر عن الكثير من المحبة، مفاده أن الكويت لا تبعد كثيرا عن الرياض، فنتمنى أن نستقبلكم بين فترة وأخرى، دون دعوات أو رسميات، وهنا بادر سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وكان وقتها يتولى منصب وزير الخارجية موجها كلامه لجلالة الملك خالد، مبديا رغبة دولة الكويت بفتح مكتب دائم في مدينة الرياض، وبطريقة عفوية تعبر عن الأصالة، فرد جلالته "ومن رادكم من باجر فتحوا المكتب"، وهذا ما كان، فما هي إلا أيام حتى صدرت الموافقات الرسمية لفتح المكتب تحت مسمى "مكتب دولة الكويت التجاري في الرياض"، وقد كلفت بإنشائه ورئاسته على مدى ما يناهز الأربع سنوات.

كانت مرحلة غاية في الأهمية، ليس للمنطقة فحسب بل للعالم بأسره، جرت فيها أحداث جسام، مثل الغزو السوفياتي لأفغانستان، وسقوط إمبراطورية الشاهنشاه في إيران، وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بثورة الخميني، والزيارة التاريخية للرئيس أنور السادات لإسرائيل، وإلقاء خطابه المهم في الكنيست الإسرائيلي الذي أعلن فيه "أنه لا حرب بعد اليوم مع إسرائيل".

أحداث غيرت وجه التاريخ، وما زالت آثارها تعصف بالمنطقة والعالم، كانت أحداثا تستدعي التشاور والتنسيق والمتابعة المستمرة، وفي كل المجالات، هكذا كانت العلاقات الكويتية-السعودية، وهكذا ستبقى دائما عروقها ضاربة في أعماق التاريخ، مع التأكيد أن ما حدث في الأيام القليلة الماضية من جدل حول مؤتمر القمة الخليجي يعبر عن مقدار المحبة التي يكنها أهل الكويت لقادة دول مجلس وتمنياتهم أن تتبارك هذه الأرض الطيبة بحضورهم، ولكن للظروف أحكامها وما زالت القلوب مفتوحة لهم في أي وقت لزيارة بلدهم وأهلهم.

نتوقف الآن في هذه المحطة لنواصل الانطلاق إلى محطات أخرى في المقال القادم.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top