2000 عام على أوڤيد

نشر في 03-12-2017
آخر تحديث 03-12-2017 | 00:00
 فوزي كريم عصرنا الحديث هو عصر التحولات التي لا تقل إثارة عن عالم "مسخ الكائنات" (Metamorphoses)، التي أنجزها الشاعر الروماني أوﭭيد (Ovid)، قبل ألفي عام.

لقد أصبحت فكرة أن "ما من شيء يستقر على حال" قاعدة صلبة. ولعل هذه القاعدة داخل الوعي الإنساني متأصلة منذ زمن بعيد. الشعر بدوره لم يستعن بـ"المجاز" و"الاستعارة" إلا ليقرب أفق التحولات الغرائبية هذه. حين كنا صغارا كنا نفتتن بتأمل السحب، التي تمنحها حركة الريح إمكانات لانهائية، لتحول الأشكال والصور: رأس إنسان يتحول إلى ثور غاضب بقوائم أربع، كف مشرعة إلى وجه شيطاني، زهرة إلى أرنب... الخ. وحين أدركتنا الشيخوخة صرنا نقول، حين نرى التحولات الشبيهة على الأرض: ولمَ لا. ما من عجب؟ ولعل في هذه القاعدة تكمن شعبية كتاب الشاعر أوﭭيد إلى هذا اليوم.

عام 2017، الذي نحن فيه، يؤرخ لمرور ألفيْ عام على وفاته عام 17 ميلادية، في منفاه القسري، الذي فرضه عليه الإمبراطور أوغسطس، مع العلم أنه كان شاعره المقرَّب، في 8 للميلاد، في مدينة تومس على البحر الأسود (تقع اليوم في رومانيا). ولم يطمئن الدارسون إلى سبب أكيد لغضب القيصر، سوى خبر مفاده أنه كتب قصيدة من وحي فضيحة نسوية على الأغلب في البلاط الإمبراطوري. حرق الشاعر كل مخطوطاته، وأسلم نفسه لمنفى بالغ البُعد عن روما التي يحب. لكن مخطوطاته كلها مستنسخة من قِبل قرائه ومحبيه، الذين لا يُحصيهم العد، وقد بقيت إرثاً للأجيال.

يظل "مسخ الكائنات" أكثر أعماله الشعرية الكثيرة شهرة، وقد تُرجم إلى اللغة الإنكليزية عن اللاتينية أكثر من عشرين ترجمة، شعراً كما هو في الأصل، ونثراً. وتُرجم إلى العربية عبر لغة وسيطة ثالثة على يد ثروت عكاشة (مسخ الكائنات) والشاعر أدونيس (التحولات). لكن تأثير الكتاب، وهو موسوعة في الأساطير التي كانت وليدة دراما العلاقة بين الآلهة والإنسان والطبيعة، غطت جميع فنون الكتابة الشعرية والأدبية بعده. "فهي تلاحق مسرات الطبيعة، والكوكبين الشمس والقمر، الأزهار، الغابات، الكهوف، البحار، العواصف، الأرواح، الالهة؛ ذكوراً وإناثاً، الجنيات، الحوريات، العشاق، الرعاة، المحاربين، الساحرات، تحولات وهجرات الأرواح والكائنات الإنسانية...".

أكمل أوﭭيد الكتاب في 15 فصلاً عام 8 ميلادية، معتمداً الأساطير اليونانية والرومانية من بدء الخليقة إلى مرحلة يوليوس قيصر. ثم جاءت مرحلة المنفى إلى مدينة تومس، لتشكل أحد محاور حياة هذا الشاعر، الذي أصبح مع السنين مادة رمزية موحية لكل شاعر عرف المنفى في كل زمان. ولعل جملته الشهيرة حول حياة المنفى بأنها "رقصة في الظلام" ظلت ماثلة تستتر خلف كل تجربة منفى، وقصيدة منفى.

كان أوﭭيد بالغ التأثير على كتاب وفناني تاريخ الأدب والفن. ولأنه كان الشاعر المفضل لدى شكسبير، وتأثر به في مسرحياته، على مستوى الحبكة، والتضمينات، وحتى اللغة، فإن "فرقة شكسبير الملكية" قدمت في تلفزيون "بي بي سي" برنامجين عن "الشاعر والإمبراطور"، والآخر يتضمن ندوة ومشاهد من "مسخ الكائنات"، إلى جانب عروض وندوات في مدينته العريقة (ستراتفورد)، وفي مدينة أوكسفورد. الشاعران بول ماندن ونيسا أوماهوني أصدرا كتاب مختارات بعنوان "المتحول" (Metamorphic) يضم مئة قصيدة لعدد كبير من الشعراء (إنكلترا، ايرلندا، جنوب إفريقيا، الهند، سنغافورة، اليابان، الصين، أستراليا، نيوزيلندا، أميركا وكندا)، تحاول استعادة الأصل الأوﭭيدي للحكاية، أو تتخذ من الأصل منطلقاً عبر مخيلة جديدة، أو تجد لها نظائر في ثقافة أخرى قديمة أو حديثة.

وفي المحصلة تجد المحتوى يؤكد فكرة أن "التحولات" ظاهرة سارية المفعول في الوعي الإنساني حتى اليوم. كان أوﭭيد أحد أعظم ثلاثة شعراء في الأدب اللاتيني؛ الآخران ﭭيرجل وهوراس. والثلاثة أبناء جيل واحد، ولعله كان الأكثر شعبية، بفعل تأثير قصائد الحب. وكتابه "فن الهوى"، المترجم إلى العربية لا يقل شهرة.

back to top