تمسّكوا بأوهامكم!

نشر في 30-11-2017
آخر تحديث 30-11-2017 | 00:00
 مسفر الدوسري سحر الحب وسرّه المكنون يكمنان في قدرتهما على إلغاء الحد الفاصل بين الحقيقة والوهم! وليس كأس الحب الذي ينهل منه المحب حد الثمالة إلا من ذاك المزيج المكوّن منهما، والذي يتحكم في المزاج العاطفي لكل مَن يتناول رشفة منه.

غواية الحب وخلطته السرية في خلط المرايا، لتصبح مرآتا الوهم والحقيقة بالنسبة للعاشق مرآة واحدة اسمها مرآة الحب. الصور التي تعكسها مرايا الحب ليست هي ذاتها الصور الأصلية، بل إنها في الأغلب ما تكون غير مطابقة للأصل الظاهر لعيون الآخرين، لكنها رغم ذلك هي وحدها، وليس سواها. الصور المعتمدة والموثوقة في قلب المحب والمثبتة في سجلات الغرام، لن يقبل المحب صور سواها، مهما حاول الغير بالقرائن والأدلة الواضحة إثبات عدم مطابقتها.

إن الحب يتدخل تدخلاً سافراً في إعادة تشكيل الصور بأذهان وقلوب المحبين، وإضفاء تأثيراته عليها، وصبغها بكل ما أنتج قوس قزح من ألوان، وما قطّر شذا الورد من عطر، كل صورة تدخل "معمل" الحب لا تنجو من سحر لمسته، ووضع وشمه عليها، ابتداءً من صورة المحبوب، وليس انتهاء بخصاله ومذاق اللحظات بين الحبيبين والمغموسة بنهره السحري، ليورق جفاف تلك اللحظات، وينبت الزهر من شقوق صخورها الصماء، ويُذهب الحب صممها، لتغدو تلك الصخور نافذة للأغاني المعطرة. الحب قادر على ذلك، إن وجدت حبة رمل تُوزن بميزان الذهب، فتأكد أن الحب مسح بطرف اصبعه عليها، إذ ربما وطأتها قدم عاشق أو عاشقة. إن رأيت قطعة قماش صغيرة لا يجف دفئها تساوي سنوات من العمر، فاعرف أنها منديل حبيب لا يزال يحتفظ بجمرة سكبت به منذ زمن، ولم يطفئها ماء النسيان.

إن مرَّت بك فراشة تطير بلا أجنحة، فكن على يقين بأنها "ثانية" في طريقها إلى "موعد غرام". إن صادفت شجرة تتوارى عن الأنظار، مكتفية بإدارة ظهرها للمارَّة فيما تنسج من أوراقها سجّادة حريرية، فذلك لأن حبيبين استظلا ذات نسيم تحت أغصانها وافترشا الأرض.

إذا استطعمت ملوحة في ماء البحر، فذاك لأنه ممزوج بكمّ هائل من دموع أحباب ودَّعوا أحبة لهم على ساحله، كذلك طعم التراب وطعم الفضاء، إن لمحت ظل غيمة والسماء في كامل صحوها، فاعلم أن هناك عاشقا بالقرب يرتّل حنينه.

إن رأيت نجما يهوي من السماء بلا ذيل ضبابي، فكن جازماً بأن قلب محب قد تحطّم للتوّ، وسيتشكل من شظاياه البنفسج. إذا سمعت صوتاً مضيئاً يجعل القناديل تكف قليلاً عن التباهي بنورها، فإنما أنت في حضرة قصة حب. الحب وحده وراء تلك الصور المدهشة. إنه ذلك المزيج من شمس الحقيقة وعتمة الوهم، تلك هي معادلة الحب الكيميائية، وأي إسقاط لأحد طرفي المعادلة، أو الخطأ في نسبة أي منهما، لا ينتج حباً، قد ينتج أي شيء آخر عن ذلك إلا الحب. لذا، أعجب من أولئك الذين يطلبون من الحبيب "ناصحين" بأن يكون واقعيا، وألا يرى سوى... الحقيقة، يريدون وضع الحد الفاصل بين الحقيقة والوهم، فكيف يصبح حبّاً إذن؟!

back to top