ميركل ودافوس يتعرضان للانتقاد في ألمانيا

نشر في 29-11-2017
آخر تحديث 29-11-2017 | 00:05
 ناشيونال ريفيو يشكّل إخفاق أنجيلا ميركل، التي تشغل منصب المستشار الألماني منذ فترة طويلة، في تكوين ائتلاف حاكم إشارة إلى سأم متنامٍ من سياساتها ينتشر في القارة كلها.

نشهد اليوم حقبة صعبة بالنسبة إلى "رجل دافوس"، الذي يمثل نخب عالم التجارة والأعمال التي تجتمع في المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع التزلج السويسري ذاك في شهر يناير، فلا تنفك الانتقادات تتوالى: أزمة الدين الأوروبية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وترامب، واليوم في تطور مفاجئ آخر إخفاق ميركل في تشكيل حكومة ألمانية.

طوال 12 سنة اعتبرت النخب الأوروبية، التي نفرت من جورج بوش الابن وانهارت بسبب أوباما، ميركل حصناً متيناً يصون التفكير المنطقي، لطالما كانت ميركل ركيزة الاتحاد الأوروبي، وبدت القوة المسيطرة وراء الردود المتعددة في التعاطي مع كلٍّ من أزمات اليورو المتعاقبة.

وفق قواعد العلوم السياسية الأساسية المعتمدة، كان يُفترض أن تكون ميركل والديمقراطيون المسيحيون الفائز الأكبر في انتخابات 24 سبتمبر، وخصوصاً أن معدل البطال الوطني متدنٍّ مع نسبة 3.7%.

ولكن على غرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتصار ترامب في الولايات المتحدة، شكّل هذا صفعة قوية على وجه المؤسسة السياسية، والإعلامية، والتجارية.

يمكن فهم تقديم المؤسسة أداء جيداً في الآونة الأخيرة من خلال ما يلي:

أولاً، أوروبا: لم ينجح اليورو، العملة الموحدة التي فُرضت على معظم دول الاتحاد الأوروبي (قررت بريطانيا بحكمة عدم تبنيها) في عام 2002، في توحيد القارة بل قسّمها، وذلك للأسباب عينها التي حددتها مارغريت ثاتشر عام 1990: لا تلائم عملة تتخطى الحدود الوطنية حاجات دول عدة لها دورات اقتصادية وثقافات اقتصادية مختلفة.

يقوم الحل بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من المسؤولين في إدارة الاتحاد الأوروبي على تأسيس وزارة مالية للقارة بأكملها، لكن هذه الفكرة لن تنجح اليوم نظراً إلى ضعف ميركل، ولعلها لم تكن ناجحة يوماً. نتيجة لذلك، تفكك مشروع الاتحاد الأوروبي المعلن: "اتحاد أكثر تقارباً".

ثانياً، الطاقة وتبدل المناخ: بعد كارثة محطة فوكوشيما النووية في اليابان عام 2011، قررت ميركل في خطوة أحادية الطرف إقفال محطات الطاقة النووية غير الملوِّثة في ألمانيا والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في بلد يفتقر إلى الشمس والرياح. نتيجة لذلك صارت ألمانيا اليوم تستورد الفحم الحجري الأميركي، وتنتج مقداراً أكبر من الانبعاثات، وتواجه معدلات كهربائية أعلى بكثير.

ثالثاً، الهجرة: فتحت أوروبا أبوابها أمام المهاجرين المسلمين، وأخفقت في مساعدتهم على الاندماج، وتعاني راهناً إرهاباً إسلامياً متفاقماً. وزادت ميركل هذا الوضع سوءاً في سبتمبر عام 2015 بدعوتها أكثر من مليون "لاجئ" غير مسجل يُفترض أنهم قدِموا من سورية، إلا أن كثيرين منهم جاؤوا أيضاً من دولتَي مالي وبنغلاديش البعيدتين.

لكن توقعات أن يسد هذا حاجة ألمانيا، التي تعاني انخفاضاً في معدل الولادات، إلى عمال مهرة، بدت مجرد مهزلة. في المقابل ازدادت عمليات القتل والاعتداء الجنسي، التي تخفيها الحكومة والصحافة غالباً، بمعدلات صادمة.

ساعدت هذه الهفوات غير القسرية، التي تتماشى مع طريقة تفكير دافوس، والحزب الديمقراطي الحر الداعم للسوق الحرة في رفع حصته من 5% إلى 11%. كذلك حصد حزب "البديل من أجل ألمانيا" القومي المتشدد 13% بعدما كانت حصته 5%، وبما أن ميركل تتفادى بالتأكيد التعاون مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" وحزب اليسار الشيوعي الجديد، وبما أن الحزب الديمقراطي الاجتماعي ما عاد مستعداً للانضمام إلى حزبها "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في ائتلاف واحد، لم يتبقَّ أمام ميركل سوى السعي إلى تشكيل تحالف مع الحزب الديمقراطي الحر والخضر.

من الطبيعي أن يتراجع الحزب الديمقراطي الحر أمام سياسات ميركل/الخضر في مجالَي الطاقة والهجرة، مما ترك ميركل أمام خيارين: الحكم من دون التمتع بالأكثرية أو مواجهة انتخابات جديدة. قد تكون ميركل شخصاً مميزاً، ولكن يبدو أن الألمان استخلصوا أن سياساتها المؤيدة لدافوس "فاشلة حقاً".

* مايكل بارون

*«ناشيونال ريفيو»

back to top