الخليج ويوم التسامح العالمي

نشر في 27-11-2017
آخر تحديث 27-11-2017 | 00:07
 د. عبدالحميد الأنصاري مر 16 نوفمبر يوم التسامح العالمي على منطقة الخليج، وهي تعيش أوضاعاً مضطربة: علاقات متأزمة، ونفوس متوترة، وحملات تشويه متبادلة، وصراعات سياسية واقتصادية ساخنة، ورحل كما جاء بدون أن يحدث أثرا إيجابياً على أوضاع ونفوس وعلاقات، غاب صوت التسامح عن المنطقة، في يوم احتفل فيه العالم بيوم التسامح.

كنت في الكويت ودعيت للمشاركة في احتفالية يوم التسامح العالمي، بتنظيم الجمعية الكويتية للإخاء الوطني، بالكلية الأسترالية، مع الدكتور غانم النجار، أستاذ العلوم السياسية والخبير الحقوقي الدولي.

قدمت ورقة حول مفهوم التسامح، ومدى حاجتنا إليه وأهميته، وكيف نعززه في مجتمعاتنا، عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة مفهوم التسامح، بأنه "احترام حرية الآخر، وطرق تفكيره وسلوكه وآرائه السياسية والدينية، وتقدير التنوع الثقافي، وقبول مختلف أنماط وأساليب التعبير لدى الجنس البشري، والانفتاح على أفكار الآخرين وفلسفاتهم والإفادة منها، والاعتراف بأنه ليس هناك فرد أو ثقافة أو وطن أو ديانة تحتكر المعرفة أو الحقيقة".

اعتمدت الجمعية العامة 16 نوفمبر من كل عام، يوما للتسامح الدولي، وحرصت على نفي المفاهيم السلبية الملتبسة بمفهوم التسامح، كالعفو عن الخطأ، أو الغفران عن الذنب، أو التنازل عن الحق، وهي المعاني الأكثر دوراناً في الكتب التراثية، فالتسامح بالمعنى المعاصر، هو قبول الآخر والتعايش معه، بما هو عليه من معتقد ديني أو رأي سياسي، كحق أصيل من حقوقه الإنسانية، وليس تنازلا من الأكثرية الدينية أو المذهبية أو العرقية، لأقلية دينية أو مذهبية أو عرقية، عن حق من حقوقها، تكرماً وإحساناً، كما لا يلزم قبولي للآخر والتعايش معه، بل الدفاع عن حريته الدينية والمذهبية والسياسية، إقراراً مني بصحة معتقده أو مذهبه أو رأيه السياسي أو الفكري، إذ لا تلازم بين قبولي للآخر والتعايش معه، طبقاً للمقولة الليبرالية: الدين لله تعالى والوطن للجميع؛ اقتناعي بما يحمله من رأي أو معتقد.

وفِي هذا السياق أستحضر مقولة فولتير الرائعة: أنا لا أتفق معك فيما قلت، ولكني سأدافع عن حقك في حرية التعبير حتى الموت، هذا هو المعنى الحقيقي للتسامح، وعلى ذلك لا يحق للمسلمين فرض معتقدهم على الآخرين، وليس من مهمتهم الحكم على الشعوب الأخرى بسوء المصير، لأنه هو وحده، جل وعلا، الحكم الفصل بين عباده في المصير الأخروي "إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ".

حاجتنا إلى التسامح: ما أحوجنا في هذه الأيام المريرة في أجواء الشحن والتوتر والقطيعة والتنافر، إلى البلسم الملطف، المداوي لجراح النفوس، وقيم المحبة والتسامح! وما أشد حاجتنا في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها منطقتنا لتجديد طاقاتنا النفسية والوجدانية بالإنصات إلى آيات من كتاب ربنا عز وجل، تلطف أرواحنا وتخفف معاناتنا، تأمل قوله تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"، واستمع إلى قوله تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" وقوله تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا"، كيف لا تترسخ قيم المحبة والتسامح في نفوسنا ونحن نتلو قوله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما"!

إن مجتمعنا الخليجي يواجه تحديين كبيرين، يهددان مفهوم المواطنة: التحدي القبلي، والتحدي الطائفي، وهما يغذيان الغرائز والنزعات السلبية في النفسية الجمعية الخليجية، ويستثمرانها ويوظفانها لأهداف آنية ضيقة، وعلى المجتمع الخليجي مواجهة هذين التحديين، وتفكيكهما وتجاوزهما كما فعلت شعوب كثيرة، وإني واثق أن المجتمع الخليجي، قادر ومؤهل على تجاوز كل التحديات، كما فعل مع تحديات الماضي، وكانت أشد وأكبر.

ختاماً: لا مفر أمام الخليج، من تعميق مفهوم المواطنة والوحدة الوطنية بين المكونات المجتمعية في دوله، وترسيخ قيم المحبة والتسامح في العلاقات البينية بينها، وصحيح أن علاقات الدول تقوم على المصالح، لا القيم والمبادئ، لكن قرآننا العظيم، يذكرنا "ولا تنسوا الفضل بينكم"، وعلينا إعادة شحن طاقات شبابنا بقيم التسامح، وحب الحياة والإخلاص في البناء والعمل والإنتاج، وهذا واجبنا جميعاً، واجب الكتّاب والمثقفين وعلماء الدين، وعلى دولنا تبني استراتيجية لنشر ثقافة التسامح.

*كاتب قطري

back to top