عندما تغيب الدولة تترك فراغاً لقوى بديلة

نشر في 25-11-2017
آخر تحديث 25-11-2017 | 00:08
 عبداللطيف المناوي لا يمكن عزل أية مشكلة في المجتمع عن بقية العناصر الحاكمة فيه، هناك اتفاق على أن المجتمع هو السابق على الدولة، ويمكن القول إن مصر شهدت حالة عدم التوازن بين الدولة والمجتمع في مراحل متعددة، وهو الأمر الذي مثل إحدى المشكلات الأساسية للتطور السياسي والاجتماعي في مصر.

وأمام عدم التوازن هذا اتجهت بعض قوى المجتمع إلى تعزيز أدوارها وتأمين مصالحها بعيدا عن الدولة، الأمر الذي أدى إلى تنامي الانتماءات الضيقة، خصوصا أن الدين في مصر يؤدي دورا لا يستهان به في كل مناحي الحياة، وفي هذا الإطار يمكن فهم عديد من المشكلات، من بينها موضوع الأقباط في مصر.

وقد بدا تأثير هذا عندما اتخذت المسألة القبطية أبعادا جديدة في العقود الخمسة الأخيرة، حيث اتسمت تلك المرحلة بعديد من التعقيدات التي ألقت بظلها على العلاقة بين المسلمين والأقباط وأوصلتنا إلى حالة ملحوظة من الاحتقان، ففي تلك الفترة، اتخذت الدولة خطوات حاسمة على صعيد تحرير الاقتصاد، والتخلي عن لعب دور اجتماعي.

وفي مقابل تخلي الدولة عن هذا الدور، ظهرت المؤسسات الخيرية على الجانبين الإسلامي والمسيحي لتقدم خدماتها، كل لأبناء طائفته، ومن ثم مزيد من الارتباط بين هذه المؤسسات والأفراد.

فالمسلم الذي لا تعالجه الدولة يذهب إلى مستوصفات الجمعيات الخيرية الإسلامية أو الإخوان المسلمين، بينما يذهب المسيحي إلى المستوصفات المرتبطة بالكنيسة.

وإذا كانت الدولة قد تخلت عن تعيين الخريجين بدرجة ملحوظة، فقد ظهرت الشركات والبنوك الإسلامية التي لا تعين أقباطا، وحذت حذوها مؤسسات يملكها مسيحيون، وأدى ذلك إلى نوع من العزلة وانكفاء كل على طائفته.

من ناحية أخرى، فقد خلقت تلك المرحلة بتوجهاتها أزمة اجتماعية حادة بسبب البطالة وارتفاع الأسعار وسوء علاقات العمل نتيجة الحرية المطلقة لرأس المال، وأدى هذا الوضع إلى تصاعد الفقر والمعاناة والشعور بالقهر والغضب.

ولعل تصاعد دور المؤسسات الدينية في مصر وقدرتها على تعبئة موارد مالية متعددة زادا من قدرتها على القيام بوظائف اجتماعية و"رعائية"، مما أدى إلى "تديين" الحياة الاجتماعية، وظهور ما يسمى السلطة الدينية البطريركية، إسلاميا أو مسيحيا، في ظل غياب مفهوم الدولة التي تجعل القانون والمواطنة أساسا.

إن استبعاد الفئات الوسطى وعدم مشاركتها في الحياة السياسية والحزبية من جهة، وقدرة الكنيسة على تلبية متطلبات اقتصادية وصحية وتعليمية من جهة ثانية، جعلا القبطي ينظر إلى الكنيسة لا كمخلص روحي فحسب، بل كمخلص معيشي أيضا، وكذلك الحال مع الجماعات الإسلامية التي ظلت تحقق مكاسب مستمرة على حساب تآكل دور الدولة وحضورها.

وفي ظل هذا الوضع ليس هناك أسهل من أن ينفس المقهورون من الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى والمهمشين، الذين تطحنهم كل يوم ظروف حياتهم، غضبهم في جيرانهم الأضعف، الذين هم من نفس الطبقة ويتعرضون لنفس الأزمات، لكنهم يختلفون في الدين، وتلك الحالة ليست مقصورة على مصر؛ فإذا نظرنا إلى الوضع في الهند، فقد استطاع حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف تأليب طائفة الهندوس على المسلمين، الذين يعيشون نفس البؤس والشقاء، مما أدى إلى قيامهم بالعديد من أعمال القتل والتدمير ضدهم خلال السنوات الأخيرة.

من ناحية ثالثة، برز الإسلام السياسي، متمثلاً في جماعات الإسلام الراديكالي في منتصف الثمانينيات عندما تعاملت الدولة معه بمزيج من الحذر والنفاق، وتركت مساحات واسعة لتتمدد فيها هذه الحركات ويكون لها حضورها المؤثر في المجتمع.

وعلى صعيد أداء أجهزة الدولة في تلك الفترة، فقد اتسمت بطائفية كامنة في أعماق مؤسسات الدولة وأجهزتها، كانت نتاجاً لتلك الحالة من الاستقطاب الذي عانته مصر خلال تلك الفترة، لم يكن ذلك بتوجيهات فوقية ولكنه كان تعبيرا عن توجهات اجتماعية مازالت موجودة في التكوين القيمي للمجتمع.

ومن الخطأ الكبير تحميل المسؤولية للنظام وحده فقد كان كل ما يحدث هو تعبير عن حالة الخلل التي أصابت المجتمع وتسربت بالطبيعة إلى داخل مؤسسات الدولة التي لم تقم بالدور المناسب لتصحيح هذا الخلل، بل استسلمت له واكتفت بالتعامل أمنيا مع مشكلة هي في الأساس مجتمعية.

back to top