مصر| 235 قتيلاً في هجوم إرهابي على مسجد بالعريش

• أكثر من 30 مسلحاً فجروا عبوة خلال صلاة الجمعة ثم أطلقوا النار على المصلين والإسعاف
• المهاجمون حاصروا القرية وقطعوا طرقاتها... والجيش يقتل 15 ويطلق عملية لملاحقة الفارين

نشر في 24-11-2017 | 15:45
آخر تحديث 24-11-2017 | 15:45
في ثاني أكبر هجوم في تاريخ مصر، بعد هجوم أسيوط الذي أوقع 600 قتيل، استهدف إرهابيون اليوم مسجداً صوفياً في العريش بسيناء بعبوة ناسفة، خلال صلاة الجمعة، قبل أن يفتحوا النار على المصلين، مما أسفر عن مقتل 235 على الأقل.
في هجوم إرهابي غير مسبوق بمصر، هاجمت عناصر إرهابية مسجدا بقرية الروضة في شمالي سيناء، اليوم ، مما خلف 235 قتيلا و109 مصابين، ليعد الهجوم الأعنف منذ عقود، وأعلنت حالة الاستنفار في سيناء لمطاردة المهاجمين، في حين أعلنت الرئاسة المصرية الحداد ثلاثة أيام، بالتوازي مع اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع اللجنة الأمنية المصغرة لبحث تداعيات الهجوم المروع.

ونفذت عناصر مسلحة هجوما واسعا على مسجد قرية «الروضة» بمنطقة بئر العبد غربي مدينة العريش، شمالي سيناء، ساعة صلاة الجمعة، ما أسفر عن سقوط 235 قتيلا و109 مصابين على الأقل، في هجوم يعد الأكبر خلال عدة عقود في استهدافه للمدنيين في مصر عموما، وشبه جزيرة سيناء خصوصا، والتي عادة ما تشهد هجمات إرهابية ضد قوات الجيش والشرطة منذ عام 2013، كما يعد الهجوم الأعنف في استهدافه لمسجد بسبب هويته الصوفية.

مصدر أمني قال لـ «الجريدة»، إن إرهابيين مسلحين فجروا عبوة ناسفة في مسجد الروضة بمركز بئر العبد غربي مدينة العريش شمالي سيناء، ما أسفر عن مقتل وإصابة بعض المصلين، في حين حاول البعض الآخر الخروج من المسجد، فاستقبلتهم العناصر الإرهابية بوابل من النيران، مما أدى إلى مقتل البعض الآخر، وأسفر عن مقتل 235 شخصاً وإصابة 109 آخرين على الأقل، في هجوم غير مسبوق في عدد قتلاه أو جرحاه.

وأوضح المصدر أن الإرهابيين بعدما فجروا العبوة الناسفة وأطلقوا الرصاص بكثافة على المصلين أثناء تدافعهم للخروج، عملوا على إضرام النار في سيارات الأهالي، وقطعوا الطريق المؤدي إلى القرية القريبة من موقع الحادث، وأن المشهد كان دمويا بامتياز، مضيفا أن نحو 50 سيارة إسعاف قامت بنقل الجثث والجرحى إلى مستشفى العريش العام ومستشفى بئر العبد.

وأشار إلى أن القوات المسلحة قامت بعملية تمشيط بمحيط موقع الحادث وجهة المنطقة الصحراوية، لتضييق الخناق على العناصر المتوقع وجودها لتقديم الدعم للعناصر التي ارتكبت حادث تفجير المسجد وإطلاق النار على المصلين، مؤكدا وصول تعزيزات عسكرية لمنطقة الروضة غرب مدينة العريش، وإغلاق الطريق الدولي العريش بئر العبد، لضبط منفذي تفجير مسجد الروضة، وأنه تم إعلان حالة الطوارئ ورفع درجة الاستعداد القصوى في سيناء.

وصرح وكيل وزارة الصحة في شمال سيناء، د. عربي محمد، بأنه تم استدعاء جميع الأطقم الطبية وإلغاء جميع الإجازات، ورفع حالة الطوارئ والاستعداد في أقسام الاستقبال والطوارئ بالمستشفيات، وتوفير أدوية الطوارئ والمحاليل وأكياس الدم، إلى جانب توفير أطقم طبية إضافية على أعلى مستوى، خصوصا التخصصات الطبية الحرجة.

تفاصيل

مصدر أمني رفيع المستوى سرد لـ»الجريدة»، تفاصيل إضافية للهجوم الإرهابي، قائلا إن سيارتي دفع رباعي وسيارة ملاكي يستقلها ما لا يقل عن 30 شخصاً كانوا يرددون شعارات دينية، وأنهم هاجموا المسجد بناسفة تم تفجيرها من على بعد، قرب نهاية صلاة الجمعة، وعندما بدأ المصلون مغادرة المسجد هربا، تم إطلاق النار بكثافة من أعلى سيارة دفع رباعي، ما أدى إلى حصد عشرات المصلين في الحال.

وتابع المصدر: «الإرهابيون نصبوا كمينا لسيارات الإسعاف التي هرعت لمكان الحادث، وأطلقوا النار عليها، كما قاموا بتفخيخ الطرق المؤدية إلى قرية الروضة لمنع وصول قوات الجيش والشرطة»، وأشار إلى أن عملية عسكرية انطلقت من قبل قوات الجيش لمطاردة الجناة والتعامل معهم، مشددا على أنه تم الدفع بقوات إضافية من الجيش إلى شمالي سيناء.

وقال شهود عيان إن قرية الروضة يسكنها نحو 2500 نسمة، وتقع غربي مدينة العريش بنحو 20 كيلومترا، وتعتبر من معاقل الصوفية الجريرية الأحمدية، حيث يوجد بها أكثر من مقام وضريح، وأن مسجد الروضة الذي تمت مهاجمته ليس به أي أضرحة، مشيرين إلى أن الإرهابيين حاصروا المسجد من جميع الجهات، وشددوا على أن الجماعات الإرهابية تعاقب أهالي القرية لأنهم رفضوا وجود أية عناصر إرهابية بينهم.

إعلان حداد

وبعد الحادث الضخم، أعلنت الدولة المصرية الحداد رسميا مدة ثلاثة أيام على أرواح القتلى، واجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسي مع اللجنة الأمنية المصغرة، التي تضم وزيري الدفاع صدقي صبحي والداخلية مجدي عبدالغفار، ورئيسي المخابرات العامة والحربية، لمناقشة تطورات الموقف، وكشف مصدر أمني أن الرئيس السيسي وجه بوضع تقرير مفصل عن العملية الإرهابية الخطيرة، ووجه بضرورة تأمين دور العبادة والمصلين في شمال سيناء، وتأمين جميع المساجد والكنائس بشكل كامل لمنع تكرار استهداف المدنيين.

من جهته، أمر النائب العام المصري، المستشار نبيل صادق، بفتح تحقيقات عاجلة في حادث التفجير الإرهابي، وكلف النائب العام فريقا موسعا من أعضاء نيابة استئناف الإسماعيلية ونيابة أمن الدولة العليا، بالانتقال الفوري إلى موقع الحادث، لإجراء المعاينات والتحقيقات اللازمة للتوصل إلى كيفية ارتكاب الحادث، كما أمر بنقل جثامين القتلى إلى أقرب مستشفى، وندب مفتشي الصحة لتوقيع الكشف الطبي عليهم، وسرعة تسليم الجثامين إلى ذويهم، والانتقال إلى المستشفيات التي يرقد المصابون بها، للاستماع إلى شهاداتهم حول الحادث، وتكليف الأجهزة الأمنية بموالاة البحث والتحري عن هوية مرتكبي الحادث وسرعة ضبطهم.

ترامب: لا تسامح مع الإرهاب
وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهجوم بالجبان والمروع، مشدداً على أنه لا يمكن للعالم أن يتسامح مع الإرهاب، ويجب هزيمة الإرهابيين عسكرياً ونزع الشرعية عن الأيديولوجية المتطرفة التي تشكل أساس وجودهم.

استراتيجية جديدة

وحول تحليل الهجوم الضخم، قال الخبير الأمني، خالد عكاشة، لـ «الجريدة»، إن العملية تطور نوعي في استهداف المدنيين، وتأكيد على أن الجماعات الإرهابية قد غيرت من استراتيجيتها الخاصة باستهداف رجال الشرطة والجيش إلى استهداف عموم المصريين، بينما أكد خبير الحركات الجهادية صبرة القاسمي، لـ «الجريدة»، أن الهجوم الإرهابي محاولة لتشتيت أجهزة الدولة التي نجحت في توجيه ضربات أمنية للإرهابيين، فاستهداف المدنيين دليل على ضعف هذه التنظيمات وعدم قدرتها على تنفيذ هجمات ضخمة تستهدف قوات الجيش والشرطة.

وأوضح خبير الحركات الإسلامية، أحمد بان، لـ»الجريدة» أن هذه العملية بمثابة «التطور اليائس» من أعضاء تنظيم داعش في سيناء، تعكس هزيمة التنظيم على أرض الواقع وتخبطه ليستهدف مسجدا فيه مدنيون دون مراعاة لحرمة المسجد، وهي عملية تكشف عن نزعة انتحارية تقضي على أي مشروعية مزعومة لمثل هذه التنظيمات.

مطالبات بالحزم

وقاد الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب الإدانات في مصر، إذ قال إن «سفك الدماء المعصومة وانتهاك حرمة بيوت الله وترويع المصلين والآمنين يعد من الإفساد في الأرض، وهو ما يستوجب الضرب بكل شدة وحسم على أيدي هذه العصابات الإرهابية ومصادر تمويلها»، في حين قال مفتي الديار المصرية شوقي علام، إن الهجوم الإرهابي دليل على «تجرد مرتكبيه من أدنى درجات الرحمة والإنسانية، واستحلالهم للدماء وسعيهم للفساد في الأرض، وأنهم بذلك يكشفون عن وجوههم القبيحة وأغراضهم الدنيئة، ما يستوجب التعامل معهم بكل حزم وقوة».

كما دانت الكنائس الثلاث بمصر (الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية)، الحادث، إذ قالت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في بيان رسمي، إنها تنعى «بكل الحزن والأسى شهداء الوطن الأبرار، مصلين إلى الله أن يهب العزاء لأسر الشهداء والشفاء للمصابين والمجروحين، كما ندعو الله أن يرحم مصر ويدفع عنها هذا الإرهاب الوحشي الغاشم الذي لم نعرف له مثيلاً من قبل».

برلمانيا، أصدر ائتلاف الأغلبية البرلمانية «دعم مصر» بيانا دان فيه الهجوم، وقال فيه إنه «يزيد مصر، قيادة وحكومة وشعباً، قوةً وصلابة في مواجهة ظاهرة الإرهاب الأسود»، في حين قال النائب عن حزب المصريين الأحرار، محمد الكومي، إن العمليات الإرهابية «لن تزيدنا إلا إصرارا على القضاء على الإرهاب»، مشيرا إلى أن هذه العمليات تقوي ارتباط والتفاف الشعب حول الرئيس والجيش من أجل القضاء على الإرهاب، وأنها «لن تكسر عزيمة الشعب المصري».

إدانات بالجملة

عربياً، قاد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الإدانات، إذ أرسل ببرقية تعزية إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عبر فيها عن خالص تعازيه وصادق مواساته بضحايا الهجوم الإرهابي، مشددا على أن «هذا العمل الإرهابي الذي يتنافى مع الدين الإسلامي الحنيف ومع كافة الشرائع والأعراف والقيم الإنسانية لم يراع منفذوه حرمة بيوت الله وحرمة الأنفس التي حرمها الله تعالى»، معلنا تأييد الكويت لكل الإجراءات التي تتخذها مصر للحفاظ على أمنها واستقرارها.

وبينما دان الرئيس الأميركي والرئيس الفلسطيني والعاهل الأردني والجامعة العربية الحادث، وصف المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إدوين سموأل، الحادث بـ»الهجوم المروّع والجبان الذي يستهدف مصلّين أبرياء في سيناء، مكان مقدّس يلطخه مجرمون بهمجيتهم العمياء، التي لا تفرق بين أحد، كلنا ضد العنف والإرهاب أينما كان... أفكاري وصلواتي مع الشعب المصري في هذا اليوم الأسود بسيناء».

حملة للتبرع بالدم

تزايدت نداءات التبرع بالدماء للمصابين من الضحايا في سيناء، إذ توجهت أعداد كبيرة من الأهالي إلى المستشفيات للمساعدة والتبرع بالدم، لمواجهة الاحتياج الكبير لأكياس الدم في ظل ارتفاع أعداد مصابي حادث الهجوم على مسجد بسيناء اليوم.

ودشن رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة للتبرع بالدم لمصابي الحادث، وطالبوا عبر «فيسبوك» و«تويتر» من أبناء المحافظات القريبة من الحادث خاصة محافظات جنوب سيناء والإسماعيلية وبورسعيد والسويس، بالتبرع فورا بالدم من أجل توفير أكياس دم تنقل سريعا إلى مستشفيات بئر العبد والعريش العام والإسماعيلية، وهي المستشفيات الرئيسية في استقبال مصابي الحادث.

وطالبت إحدى الناشطات على «تويتر» بالنزول للتبرع قائلة: «شباب الإسماعيلية انزلوا دلوقتي اتبرعوا بالدم، كل الفصايل في مستشفى الجامعة بالإسماعيلية.. مصابين كتير اتحولوا هناك بالإضافة إلى مستشفى العريش العام وبئر العبد.. بسرعة المصابين كتير جدا».

استهداف مساجد الصوفية ... عرض مستمر

يعد الاعتداء على مسجد الروضة اليوم، الأعنف على الإطلاق، لكنه ليس الأول في استهداف عناصر إرهابية للمساجد والأضرحة في سيناء، إذ سبق أن شنت الجماعات الإرهابية المتشددة بما فيها التابعة لتنظيم «داعش» هجمات على أضرحة للصوفية، على خلفية الاختلاف الفكري بين الجانبين.

وبدأ الاعتداء على أضرحة الصوفية في سيناء عقب ثورة يناير 2011، إذ تم مهاجمة ضريح الشيخ زويد في المدينة التي تحمل اسمه في سيناء، أغسطس من العام ذاته، ثم توالت الهجمات على الضريح ما أسفر عن تدميره.

وأعلن تنظيم «داعش سيناء» عام 2013، تبنيه هجوماً على ضريح الشيخ الصوفي سليم أبو جرير بقرية مزار، ثم ضريح الشيخ حميد بمنطقة المغارة وسط سيناء، عام 2015 ما أسفر عن تدميرهما تماماً.

وفي عام 2016 تم اختطاف عدد من أتباع الطرق الصوفية في جنوب رفح ثم تم الإفراج عنهم بعد أن تم إغلاق الزوايا الصوفية، وشهد عام 2016 اختطاف الشيخ الصوفي سليمان أبو حراز «98 عاماً»، ثم ذبحه هو وأحد أتباعه، وتصوير مشاهد الذبح وبثها عبر الإنترنت، وقد وصفه تنظيم ولاية سيناء بأنه «من الكهان».

وتزامنت واقعة قتل أبو حراز مع إصدار تنظيم داعش بياناً أعلن فيه وضع المنتمين للطرق الصوفية على قائمة الاغتيالات لعدم الالتزام بشروطه، التي تتمثل في عدم ممارسة شعائر الصوفية مثل «الموالد، وحلقات الذكر»، ورفع أسماء الطرق الصوفية من على أبواب المساجد، مثل الطرق العلوية أو الجريرية.

وبدأت الحركة الصوفية في سيناء على يد الشيخ عيد أبو جرير، في خمسينيات القرن الماضي، وانتشرت العديد من الحركات الصوفية في ربوع سيناء، وعاشت في سلام طوال 6 عقود، إلى حين ظهرت الحركات الإرهابية في الأعوام الأخيرة، والتي أعلنت صراحة استهدافها للأقباط والصوفية.

back to top