6/6 : النأي بالنفس عندهم وعندنا

نشر في 17-11-2017
آخر تحديث 17-11-2017 | 00:25
 يوسف الجاسم الأحداث المتسارعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، سواء محلياً أو خارجياً، حملت معها جملة من الرسائل والإيحاءات، مثلما حملت قدراً كبيراً من المبهمات والألغاز التي تحتاج إلى عرَّافين أو منجِّمين، لحل طلاسمها وغموضها.

ومن المفردات اللافتة تعبير "النأي بالنفس"، الذي اخترعه رئيس الحكومة اللبنانية السابق نجيب ميقاتي، وكرَّره عدة مرات رئيس الحكومة اللبنانية الحالي المستقيل سعد الحريري، في لقائه التلفزيوني الذي أجرته الإعلامية اللبنانية اللامعة بولا يعقوبيان من الرياض، وتابعته الملايين المتلهفة، لمعرفة المزيد عن القضية الحريرية، التي شغلت العالم منذ السبت قبل الماضي حتى اليوم.

ما يهمني في عبارة "النأي بالنفس" لا ما طالب به الرئيس الحريري، حزب الله اللبناني، بعدم توريط الدولة اللبنانية في أحداث العالم العربي المتفجرة، وكسب عداوات الدول العربية المتعهدة بنجدة لبنان واقتصاده، والنأي به عن الأزمات، وتجنيبه دفع الفواتير الباهظة لتلك المغامرات العبثية.

ما يهمني هو ربط العبارة اللبنانية بحدث التوقيفات والتحقيقات السعودية بقضايا الفساد من جهة، وما يخالجنا هنا في الكويت من جهة ثانية من صداع وقلق متواصلين مما نعانيه من أشكال الفساد الإداري والمالي الذي تئن منه غالبية الجهات الحكومية، وأصبح "ما تشيله البعارين". فأبسط ما نأمله، أن ينأى المتجرئون على أملاك وأموال الدولة بأنفسهم عن الاستمرار في غيِّهم، ووقف طوفان الرشاوى وشراء الذمم من جانب الرشاة، وإعلان التوبة عن بيع الضمائر وخيانة الأمانة واستغلال المناصب والصلاحيات في الإثراء غير المشروع من جانب المرتشين.

إن "النأي بالنفس" ليس مطلوباً لدينا فقط بالتهدئة السياسية بين المجلس والحكومة وعدم الخوض بما يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه من إجراءات دستورية أو غير دستورية قد نواجهها في يوم ما، بل أيضاً "النأي بالنفس" عن المساهمة بتصعيد التوتر الخليجي في القضية القطرية، التي لا تبدو بشأنها بوادر انفراجات قريبة، أو المساهمة بإدراج الكويت ضمن أحد الخندقين المتنازعين، وابتعادها بالتالي عن دورها المشهود والمحمود في الوساطة بين الطرفين!

كذلك، نحن نعيش مرحلة سياسية دقيقة في محيطنا الإقليمي والعربي قوامها "النأي بالنفس" عن الشحناء الطائفي والتراشق المذهبي اللعين، الذي لن يجرَّنا إلا إلى لهيب مستعر، لا قدَّر الله، إن لم ندرك ونتدارك مخاطره.

أخيراً، يبدو أننا في مرحلة أحداث محلية وخارجية غامضة المضامين ومجهولة المستقبل، ونأمل ألا تصل حالات "النأي بالنفس" إلى حد حجب التفكير، وعدم البوح بالرأي، والاكتفاء بالمراقبة والمشاهدة والاستماع والصمت، وهذه أسوأ حالات النأي!

همسة:

انتهاء أعمال الهيئة العليا للنظر بتطبيق أحكام الشريعة على القوانين، نأمل أن يدفعنا "للنأي بالنفس" عن استمرار العديد من الهيئات التي تم خلقها للتنفيع وزيادة التعقيد والبيروقراطية في الأعمال الحكومية وتعطيل مصالح الناس، والتي تهدر أموال الدولة بلا طائل، خصوصاً ونحن في زمن شد الأحزمة على البطون.

back to top