نحو مجتمع آسياني محوره الناس

نشر في 16-11-2017
آخر تحديث 16-11-2017 | 00:05
سأسعى جاهدا إلى تعزيز الرخاء المتبادل الذي يستفيد منه المواطنون في دول آسيان وكوريا، ولضمان استدامة التعاون الذي يتمحور حول الناس، ويتعين على دول المنطقة كافة أن تنمو وتتطور معا، فتشييد بنية الرخاء المشترك المتبادل يتطلب خفض الحواجز الإقليمية والحواجز بين الحدود الوطنية.
 بروجيكت سنديكيت يسرني أن يأتي أول لقاء لي مع قادرة رابطة دول جنوب شرق آسيا في لحظة تاريخية: الذكرى السنوية الخمسين لتأسيس الرابطة. خلال هذه السنوات الخمسين، تحول بلدي جمهورية كوريا تماما، وكذا كل آسيا تقريبا، وكان الدور الذي اضطلعت به رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في تسخير ونشر الديناميكية الاقتصادية أساسيا لنجاح المنطقة.

ولا شك أن آسيان كانت لكوريا صديقا خاصا وعظيم القيمة، ففي العام الفائت وحده، قام نحو ستة ملايين كوري بزيارة دول آسيان، سواء من السياح أو رجال الأعمال، ويعيش ويعمل الآن ما يقرب من 500 ألف مواطن من دول آسيان في كوريا، في حين يعيش ويعمل نحو 300 ألف مواطن كوري في دول آسيان.

وهذا مثال للتدليل على السبب وراء كون العلاقات بين كوريا ورابطة آسيان أكثر من مجرد علاقات بين حكومات، فقد تعمقت علاقاتنا على نحو شديد الخصوصية والتفرد، من خلال تضافر وترابط حياة العديد من الأفراد.

لا ينبغي لهذه الحقيقة أن تكون مستغربة، ذلك أن وثيقة "آسيان 2025: سنمضي معا قدما إلى الأمام"، والتي أقرها زعماء آسيان في قمتهم السابعة والعشرين في نوفمبر 2015، تنص على أن المجموعة تسعى جاهدة لكي تتحول إلى "مجتمع محوره الناس ووجهته الناس"، ويسعى إلى بناء مجتمع الرعاية والمشاركة الذي يتسم بالشمولية ويعزز رفاهية الناس وسبل معايشهم وسعادتهم.

وكانت فلسفتي السياسية الثابتة أيضا هي "الشعب أولا"، وهي رؤية تتفق مع روح "ثورة الشموع" الكورية التي أنارت وأدفأت شتاء كوريا قبل عام، وتتشاطر كوريا ورابطة آسيا فلسفة مشتركة تقدر قيمة الناس، وستحدد هذه النظرة المشتركة المسار الذي ستسلكه كوريا ودول آسيان معا في السنوات والعقود المقبلة.

منذ عام 2010، قطعت كوريا ودول آسيان خطوات كبيرة معا كشركاء استراتيجيين، بيد أن التعاون بين كوريا ودول الرابطة حتى الآن، ظل يركز في الأساس على التعاون بقيادة الحكومات في الشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية. وأنا أعتزم تقديم المساعدة للنهوض بالعلاقات بين كوريا ودول الرابطة في حين أعطي أولوية قصوى للشعوب؛ الشعب الكوري وشعوب دول آسيان. وتتلخص رؤيتي في خلق "مجتمع محب للسلام، ومحوره الشعوب، حيث تصبح كل الدول الأعضاء في حال أفضل"، بالتعاون مع آسيان. ويمكن تلخيص هذا في ثلاث كلمات "الناس، والرخاء، والسلام".

ولتحقيق هذه الرؤية سنواظب على "دبلوماسية محورها الشعوب"، وعلى هذا فمن الآن فصاعدا، سيتطور التعاون بين كوريا وآسيان على النحو الذي يحترم الرأي العام في كل شعوب رابطتنا، ويكتسب دعمها، ويدعوها إلى المشاركة المباشرة الفاعلة.

لتحقيق هذه الغاية، واحتفالا بالذكرى السنوية الخمسين لتأسيس رابطة دول جنوب شرق آسيا، اعتبرنا هذا العام "عام التبادل الثقافي بين كوريا ودول آسيا"، وعملنا بقوة على الترويج لأشكال التبادل الثقافي والشعبي. وفي سبتمبر الفائت، افتُتِح البيت الثقافي لدول آسيان في مدينة بوسان الساحلية في كوريا، ويُعَد البيت الثقافي لدول آسيان الأول من نوعه الذي يفتتح في دولة شريكة في حوار رابطة آسيان، ومن المتوقع أن يخدم كمركز للتبادلات الثقافية والشعبية بين كوريا ودول آسيان. ولن تدخر الحكومة الكورية جهدا لتوسيع نطاق هذه التبادلات، وخصوصا بين الشباب الذين سيقودون العلاقات بين كوريا ودول آسيا في المستقبل.

ينبغي لنا أن نعمل أيضا على بناء مجتمع السلام حيث يعيش الناس في أمان، فنحن في آسيا نواجه جميعا التهديد الذي تفرضه الأسلحة النووية والصواريخ في كوريا الشمالية، فضلا عن التهديدات الأمنية غير التقليدية، بما في ذلك الإرهاب، والتطرف العنيف، والهجمات السيبرانية على أعمالنا، وبنيتنا الاجتماعية والمدنية، ومؤسساتنا الرسمية، وستسعى الحكومة الكورية جاهدة لضمان تمكين شعب كوريا وشعوب دول آسيا من الحياة في سعادة وأمان، وهذا يعني التعاون مع كل دول رابطة آسيان، على المستوى الثنائي والمستوى المتعدد الأطراف، للتغلب على التحديات الأمنية التي نواجهها جميعا.

وأخيراً سأسعى جاهدا لتعزيز الرخاء المتبادل الذي يستفيد منه المواطنون في دول آسيان وكوريا، ولضمان استدامة التعاون الذي يتمحور حول الناس، ويتعين على دول المنطقة كافة أن تنمو وتتطور معا، ذلك أن تشييد بنية الرخاء المشترك المتبادل يتطلب خفض الحواجز الإقليمية والحواجز بين الحدود الوطنية لتسهيل تدفق السلع وتعزيز التفاعل بين الشعوب. باختصار لا بد أن تكون دينامية آسيان مرتبطة الآن بشموليتها.

ولهذا السبب لن تدخر كوريا جهدا في دعم "الخطة الأساسية للتواصل بين دول آسيان 2025" و"مبادرة التكامل بين دول آسيان"، وكل منهما تدعو إلى تعزيز التواصل بين اقتصادات آسيان ومواطنيها، وسنعمل أيضا على تسريع وتيرة المفاوضات الخاصة بمواصلة تحرير اتفاق التجارة الحرة بين كوريا وآسيان، من أجل تمهيد الطريق أمام نمو أكثر تحررا وشمولا في المنطقة.

الآن تستعد كوريا لشتاء "ساخن" آخر: الألعاب الأولمبية والبارالمبية الشتوية في بيونغ تشانغ، التي ستنعقد في فبراير 2018، وتركز تحضيراتنا على ضمان قدرة هذه الألعاب على تسليم رسالة للمصالحة، والسلام، والتفاهم المتبادل، والتعاون في مختلف أنحاء العالَم.

وأنا أدعوكم بكل سرور لاكتشاف شتاء سلمي ومبهج في بيونغ تشانغ، وتجربة الدينامية التي تجتاح كوريا ودول رابطة آسيان، ولا تفوتكم الفرصة للتعرف على القواسم المشتركة بين كوريا ودول آسيان والاستمتاع بها.

(ملحوظة للمحررين): منظمة آسيان مجموعة إقليمية تضم عشر دول في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك بروناي دار السلام، وكمبوديا، وإندونيسيا، وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وتايلند، وفيتنام. وتُعَد جمهورية كوريا "شريك حوار" مع رابطة آسيان، كما تتمتع بعلاقات الشراكة الاستراتيجية مع رابطة آسيان.

* مون جيه إن

* رئيس جمهورية كوريا.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»

علينا أن نعمل على بناء مجتمع السلام ليعيش الناس في أمان
back to top