النظام الديمقراطي وتماسك الدولة الوطنية

نشر في 15-11-2017
آخر تحديث 15-11-2017 | 00:13
عندما يحصل فراغ دستوري، وتتوقف مؤسسات الدولة عن العمل عند حدوث أي خلاف سياسي داخلي، أو عند تقديم استجواب كما هي الحال لدينا، أو عند أي طارئ داخلي أو خارجي، فهذا دليل على هشاشة البناء المؤسسي في الدولة، والذي لا يستطيع الصمود أمام المتغيرات والتقلبات السياسية.
 د. بدر الديحاني في شهر نوفمبر 1990 حين كانت بريطانيا تبعث بقواتها العسكرية إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة ضمن قوات التحالف الدولي التي ستطرد الغُزاة، وتُحرّر الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم، انفجرت الخلافات السياسية فجأة داخل الحزب الحاكم، وهو حزب المحافظين البريطاني، فقرر إجراء انتخابات داخلية حول قيادة الحزب، تم على إثرها استقالة رئيسة الوزراء آنذاك "مارغريت تاتشر" بعد أن خسرت الجولة الأولى، وهي المعروفة بصلابة موقفها تجاه عدم شرعية الاحتلال العراقي للكويت، وضرورة طرده من أراضيها، ثم خلفها في رئاسة الوزراء "جون ميجر"، في حين استمرت السياستان الخارجية والدفاعية من دون يطرأ عليهما أي تغيير.

وعلى الجانب الآخر كان مجلس العموم البريطاني (البرلمان) يمارس مهامه الدستورية المعتادة ومن ضمنها مساءلة رئيس الوزراء بشكل علني كل يوم أربعاء، وهو ما يطمئن المواطنين على أمنهم الداخلي والخارجي، حيث إن ممارسة المؤسسات الدستورية في الدولة أعمالها بشكل اعتيادي معناه قوة الدولة وصلابة بنائها المؤسسي الذي لا يعتمد على وجود الأشخاص مهما كان دورهم، وحدود سلطتهم ومسؤوليتهم، وهو ما يؤدي إلى زيادة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة التي من مهامها الأساسية حماية أمنهم الداخلي والخارجي.

أما عندما يحصل فراغ دستوري، وتتوقف مؤسسات الدولة عن العمل عند حدوث أي خلاف سياسي داخلي، أو عند تقديم استجواب كما هي الحال لدينا، أو عند أي طارئ داخلي أو خارجي، فهذا دليل على هشاشة البناء المؤسسي في الدولة، والذي لا يستطيع الصمود أمام المتغيرات والتقلبات السياسية، وما أكثرها في المجتمعات البشرية والدول الحديثة.

إذاً، قوة مؤسسات الدولة وتماسكها هما اللذان يحافظان على الأمن بمفهومه الشامل الذي يتضمن بالطبع الأمن الاجتماعي، ويحميان الدولة الوطنية، وهنا تبرز أهمية الأنظمة الديمقراطية الدستورية التي تقوم على العمل المؤسسي لا الفردي، وعلى المشاركة الشعبية الواسعة، والتعددية السياسية، وتداول السلطة التنفيذية، وفصل السلطات العامة، والحريات، ودولة المواطنة الدستورية المتساوية في الحقوق والواجبات، وحماية الأقليات، وهو ما يتعارض تعارضاً صارخاً مع عملية الانفراد في القرار أو "دولة الفرد" وما يترتب عليها من تهديد لتماسك الدولة الوطنية، والذي يبدأ عادة على شكل عدم رضا شعبي على السياسات والقرارات العامة، ثم اضطرابات داخلية وعدم استقرار سياسي واجتماعي مثلما يحصل الآن، على سبيل المثال لا الحصر، في العراق وسورية واليمن وليبيا، وربما تكون نتيجته النهائية هي تفكك الدولة الوطنية وإنهاء وجودها.

back to top