لماذا كانت معجزة الإسلام الخالدة معجزة عقلية؟

نشر في 13-11-2017
آخر تحديث 13-11-2017 | 00:12
 د. عبدالحميد الأنصاري لا نبي ولا رسول بدون معجزة تبرهن على صدق دعوته، وكل الأنبياء والرسل السابقين، عليهم السلام، بعثوا إلى أقوامهم، مؤيدين بمعجزات مادية حسية ملموسة ومشاهدة: سفينة نوح، وناقة صالح، وتحول النار إلى برد وسلام على إبراهيم، وعصا موسى، وانشقاق البحر له، وشفاء الأبرص والأعمى وإحياء الموتى ومائدة السماء، والنفخ في الطين ليصبح طيراً لعيسى، ومعجزات أخرى لإسماعيل وداود وسليمان وزكريا، عليهم السلام... إلخ.

كلها معجزات حسية معروفة ذكرها القرآن الكريم والكتب السماوية، ما عدا نبي الإسلام، محمد عليه الصلاة والسلام، معجزته من جنس مختلف، معجزة عقلية تخاطب عقل الإنسان وتنيره وترقى به إلى أفق أعلى، وترشده إلى التأمل فيما حوله من مظاهر الطبيعة، والتفكير في السنن الكونية والاعتبار بمصاير الأمم السابقة، وإعادة النظر في التقاليد والثقافة الموروثة السائدة، تعتمد الإقناع العقلي أكثر من القناعة الحسية التي هي أساس المعجزات المادية، كما تخاطب وجدان الإنسان فتهزه وتثريه بقيم المحبة والبذل والتسامح وإيثار الحق والعدل ونجدة الضعيف والفقير والمسكين والمهمش واليتيم، إنه القرآن الكريم، معجزة الإسلام الخالدة!

ما المعجزة؟

هي أمر خارق للنواميس الكونية والسنن الطبيعية العادية ومناقض للأمور المنطقية، يؤيد الله تعالى بها صدق رسله وأنبيائه، ولكن التساؤلات: لماذا أرسل نبي الإسلام، عليه الصلاة والسلام، بمعجزة عقلية لا مادية؟!

ويزداد التساؤل إلحاحاً، إذا علمنا، وكما يحدثنا القرآن الكريم نفسه، أن المشككين في الرسول، عليه الصلاة والسلام، من المشركين وأهل الكتب، في مكة والمدينة، كانوا يطالبون الرسول ويلحون في الطلب، أنه لو كان صادقاً في رسالته، أن يأتي بآية، أي معجزة، تثبت مصداقيته، كما تفصله هذه الآيات:

"وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ"، و"قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ"، و"مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ". بل أقسموا لو أتاهم الرسول بمعجزة، لآمنوا "وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا".

المدهش في هذه القضية: إلحاح المشككين المستمر بأن يأتيهم الرسول بمعجزة، لطالما سألوه ينبوعاً يتفجر ماء، وكم طالبوه بجنة من نخيل وأعناب تجري فيها الأنهار! لا عجب، إنها أحلام ساكن الصحراء! فكان الرسول يجيبهم إجابة واحدة "قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً"، وليس بمقدوره المعجزات، لأنها بيد الله تعالى وحده "قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ"، وقد يحرج الرسول عليه الصلاة والسلام ويضيق صدره لإلحاحهم، فيثبته المولى تعالى بقوله "إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ"

لماذا لم يستجب الله تعالى لطلب المعجزات؟

1- تكذيب السابقين لرسلهم رغم الآيات المرسلة "وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ".

2- السخرية من الرسل ووصف المعجزة بالسحر "وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ* وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ".

3- مخافة التعذيب الشديد "قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ".

4- الإيمان الصحيح أساسه: قناعة نفسية، واختيار عقلي حر، لا إكراه فيه، وهداية، والمعجزة المادية، وقناعة حسية تلغي حرية الاختيار، ولن تجدي المعجزات إذا لم تكن الهداية الإلهية "وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ".

5- تأكيد معجزة القرآن العقلية الإنسانية المتجاوزة لحدود الزمان والمكان والإنسان، بخلاف المعجزات المادية الموقوتة بزمانها وأقوامها الذي شهدوها.

ختاماً: أليس عجباً في دين معجزته الكبرى، عقلية فكرية بلاغية، يرفض قرآنه معجزات مادية لنبيه، أن يتقادم العهد، فيذهب بعض فقهائه إلى مرويات تنسب إلى الرسول 3 آلاف معجزة خارقة؟!

لهذا، يذهب طرابيشي في "سبات العقل في الإسلام" إلى أن المعجزات المحمدية تضاعفت عبر القرون لتصل إلى 3 آلاف معجزة عند مصنف السيرة الحلبية في القرن 11 هجري، في مناقضة للمنطق القرآني النافي للمعجزات النبوية لصالح معجزة القرآن الكريم العقلانية.

*كاتب قطري

back to top