الجحيم المقدس

نشر في 13-11-2017
آخر تحديث 13-11-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم "الجحيم المقدس"، رواية للكاتب الكردي برهان شاوي، عراقي مقيم في ألمانيا، كتب الرواية عام 1987، وطبعتها الأولى صدرت في 2012، الأمر الذي استغربته، وفهمت أسباب تأخر النشر عندما قرأت توضيحا جاء بمقدمة الكتاب، وعزت أسبابه إلى زوال سلطة صدام حسين.

الرواية حصلت على منحة من الكاتب الألماني الشهير الحائز جائزة نوبل هاينريش بول، المخصصة للكُتاب الأجانب اللاجئين في المنفى.

الكاتب يقول إنها تسجيل لمرحلة مهمة في تاريخ الشعب العراقي، وهي المنعطف ما بين أفول سلطة الرئيس أحمد حسن البكر وتسلم صدام حسين لزمام السلطة ما بين 1977- 1979، الفترة التي صُفيت فيها كل التيارات الفكرية والسياسية.

لذا، نجد الرواية عملا سرديا سياسيا بجدارة، معبأ بآلام وأوجاع ذاك الزمن لأناس أبرياء قتلوا ونُكِّل بهم بلا أي اتهامات حقيقية، وبقيت أصوات أنينهم تعذب الكاتب بمنفاه.

الرواية سردها سينمائي واضح بمشاهدها المقطعة والمتقاطعة بين عدة أماكن، مثل: القرية الكردية، ومدينة بغداد، ومكاتب التحقيق، وأماكن السكن الخاص بشخصيات العمل، والمشاهد السينمائية يجري تحريك كاميراتها بنقلات سريعة ما بين معسكر الجيش العراقي، والنبع والقرية والعجوز الكردية وابنتها "شيرين" والجندي عبدالله المتعلم خريج معهد الفنون، الرافض للعنف والظلم الواقع على الأكراد، الذين يُراد تصفيتهم تحت مسمى إنقاذ العراق من المخربين، أي "البيشمركة".

الكاميرا تتحرك بسرعة بين عدة أماكن، ولقطات متقطعة مع تداخل وخلط مشاهد من رواية الكاتب الفرنسي ستندال "الأحمر والأسود"، ومزج مشاهدها مع ما يكمل ويتلاءم مع مشاهد "الجحيم المقدس"، فالجندي عبدالله تصاحبه الرواية منذ البداية حتى النهاية عند موته، وهي التقنية التي أدخلها برهان شاوي، الدارس للسينما في موسكو، على روايته، حيث يتخيل الجندي عبدالله أنه بطل الرواية، ويحل محله هروبا من واقعه اللانساني.

ولأن الرواية كُتبت بتقنية سينمائية، فالوصف فيها نُقل بدقة شديدة تُشعر القارئ بأنه يعيش وسط هذه الأمكنة وأحداثها، وهذا مقتطف منها: "في الخارج كان الظلام يغمر الوادي والجبل، وهدير المحرك يدوي، وفي الطريق الخلفي من المعسكر في المنطقة البعيدة عن القرية كان "ستار" وجندي آخر يلعبان بالنرد ويقهقهان، وأمام كل منهما كأس مليئة بالشاي. كانا يجلسان بالقرب من الغرفة الطينية التي ارتفعت عليها لوحة كتب عليها بخط رديء الحانوت، وعلى اللوحة كان ثمة مصباح يضيء".

الرواية تسودها اللهجة العامية، وحيث إننا في الخليج نفهم اللهجة العراقية القريبة مفرداتها من لهجاتنا، ونجدها محببة إلينا ونفهم كل معانيها، لذا لم أجد أي صعوبة في فهمها، لكن اللهجة العامية العراقية قد تقف عقبة بوجه سرعة فهم وانتشار الرواية والقدرة على تسويقها، وخاصة بالنسبة لمصر وبقية دول المغرب العربي، وربما سورية ولبنان أيضا، رغم أنها أضافت مصداقية وطبيعية وحيوية على الرواية، وهذا مقتطف دليل على ذلك: "رايح تقره؟ أجابه عبدالله مبتسما: نعم، فقال ستار راجيا: ابق ويانه، راح نسوي جاي، عندك وقت للقراية، ماكو ورا القراية غير وجع الراس وضعف البصر".

وهذا مقتطف من مشهد إنساني يبين أحقية الأكراد بمكانهم: "أسألك بالله، انته من أي ولاية؟

أجاب ستار بارتباك: من الناصرية.

- بأي لغة تحجي؟ - أحجي بالعربي. - تعرف كردي؟

- لا، ليش تسأل؟

- انتظر لحظة، شفت بكل هاي الأماكن واحد يحجي عربي غير العسكر؟

- احنه غربة بهذا المكان يا ستار، هاي مو كاعنه، ولا ولا ولايتنه، مو لغتنه، احنه نريد نفرض عليهم سلطتنه بالقوة، وهم الأكراد ما يريدون، لذلك شايلين سلاح بوجه الحكومة، وهذا حقهم".

هذه الرواية رغم قدم زمنها، لكن كأنها تطرح ما يحدث في العراق اليوم.

رغم كل ثقل الأوجاع الإنسانية في هذه الرواية المكتوبة بنزيف دماء أبطالها وشخصياتها المنقولة من الواقع السياسي العراقي بكل استنزافات جحيمه، فإنها عمل سردي سينمائي جميل يكشف ويعري حقيقة حزب البعث، ويدين تسلطه على بقية الأحزاب وعلى الشعب العراقي.

وهذا مقتطف من مشهد الختام، حينما ينضم الجندي العراقي إلى البيشمركة الكردية، فيطلق السائق عليه الرصاص، ليموت متوسدا حضن البنت الكردية "شيرين" المغتصبة من الضباط العراقيين: "أخذ بيدها ومدها على عقب البندقية التي كانت قد سقطت جانبا، ضغط يد شيرين على البندقية ومات".

back to top