احتفاء بصري بالأوبرا

نشر في 12-11-2017
آخر تحديث 12-11-2017 | 00:00
 فوزي كريم في متحف "ﭭكتوريا وألبرت"، الذي يحتل ركنا بالغ الضخامة في مطلع شارع المعارض، مقابل الركن الضخم الذي يحتله المتحف الطبيعي، ثمة معرض مثير في العنوان، ومتواضع في المحتوى، بالنسبة لي على الأقل. معرض عن فن "الأوﭘرا، عاطفة وسلطة وسياسة". مثير في العنوان، لأنه عن فن موسيقي في ﮔاليري خُصّ بالفنون البصرية، يحيط به عبر مشاغل جدية ثلاثة. ولعله أول معرض عن فن الأوﭘرا الذي أحبه، ويحبه عشاق الموسيقى. وهو متواضع المحتوى، لأنه لا يُغني العارف بهذا الفن بإضافة يطمع بها، وبجديد يحتفي به.

المعرض يتوزع على سبع قاعات تنصرف كل منها إلى مرحلة من مراحل تاريخ هذا الفن، وإلى أوبرا واحدة من كل مرحلة، قُدمت في مدينة أوروبية بعينها. يدخل الزائر بسماعتيْ أذن، وعبر تجواله يصغي، وبتسجيل صوتي عالي الحرفية، إلى منتخب من موسيقى العمل، وإلى شيء من تعليق نافع.

حوله، وفي كل قاعة، يتأمل الزائر كل ما يخص الأوبرا والمدينة والمرحلة، من كلمات مؤثرة خُطّت على الجدران، ومعلومات وافية عن العمل، ولوحات وفوتوغراف لدور العرض، وإكسسوار لعروض أوبرالية، وأزياء لرجال ونساء المرحلة.

الموسيقى تجعل الزائر كمن يطوف في الهواء في تجواله. يبدأ مع الأوبرا المبكرة، ومع واحدة وضعها الموسيقي مونتيـﭭيردي في آخر حياته (1567 - 1643)، في عز سلطان مدينة البندقية.

إن أوبرا تتويج ﭘوﭘيا (L’Incoronazione di Poppea) من أنضج أعماله، مع أن أوبرا "أورفيو" المبكرة من أشهرها، تتحدث عن طموح عشيقة الإمبراطور نيرون إلى اعتلاء عرش روما. نتطلع إلى التفاصيل المحيطة، محلقين مع صوت "الثنائي الأخير" من ألحان الأوبرا الذي يؤديه كل من نيرون وﭘوﭘيا:

"لا شيء سيحول بيننا بعد اليوم./لم أعد أملك قلباً في صدري:/ لقد سرقته مني،/ بفعل الومضة الخفية في العينين الآسرتين...".

بعد مدينة ﭭينيسيا ندخل لندن على أثير افتتاحية أوبرا "رينالدو" للموسيقي الألماني الأصل، الإنكليزي الإنتاج هاندل- Handel (1685 -1759).

من الموسيقى المبكرة إلى مرحلة الباروك: كانت العاصمة التجارية الضخمة تستقبل الأوبرا المستوردة من إيطاليا باحتفاء، وتقدمها بفخامة. ثمة عينة طريفة لمشهد مسرحي من "رينالدو" مُعد للزائرين، تغني فيه الحوريات، فيما نراقب سفينة تعصف بها الأمواج. في مرحلة هاندل القرن الثامن عشر برزت ظاهرة المغني النجم، المقتصرة تقريباً على طبقة "كاستراتو"، الناتجة عن عملية إخصاء للصبي قبل سن البلوغ، والاحتفاظ بصوته الصبياني الذي يضاهي صوت السوبرانو. من أعلامه فيرنيللي Farinelli (ثمة فيلم رائع عن حياته أخرجه الفرنسي Gérard Corbiau عام 1994).

إذا كانت أوبرا المرحلة المبكرة والباروك تتمتع بهذا الهاجس الشهواني الملتهب، فالهاجس السياسي، الاجتماعي يُطل علينا جريئاً من أوبرا "زواج ﭭيـﮔارو" Le Nozze di Figaro لموتسارت في مدينة ﭭيينا. أحداثها الضاحكة تنطوي على ومضات من قيم عصر التنوير التي نجد جذورها في كتابات جان جاك روسو. أوبرا هجائية ضد امتيازات الارستقراطية النفعية المبتذلة.

back to top