أخطار إعادة توزيع الثروات في إقليم كتالونيا

نشر في 11-11-2017
آخر تحديث 11-11-2017 | 00:00
تعد الأزمة المالية وتبعاتها التي تمثلت في زيادة معدلات البطالة وارتفاع عدد المعتمدين على مساعدة الحكومة هي الذخيرة التي استخدمها السياسيون في الأقاليم الساعية إلى قطع العلاقة مع موطنها الأصلي.
 إيكونوميست الشعبوية سلاح ليس فقط في يد طبقة المحرومين، وكما أظهرت الأزمة في كتالونيا فإن لدى الأغنياء أيضاً همومهم ومشاغلهم الخاصة، وتتميز كتالونيا بسمات عديدة عن بقية أنحاء إسبانيا، ولكن التوجه الأخير نحو استقلال هذا الاقليم كان مدفوعاً بموجة غضب من تدفق اعادة التوزيع المالي من أبناء كتالونيا الأغنياء إلى بقية المواطنين في ذلك البلد. وكان ينظر إلى اولئك الناس على أنهم كسالى وغرباء أيضاً، ومن المفارقات أن العولمة ألهبت الموجة الانفصالية حول العالم من خلال السؤال الذي يواجهه اقليم كتالونيا اليوم: لمن على وجه التحديد نحن ندين بالشعور بالمسؤولية الاجتماعية؟

ولكل دولة تاريخها الخاص، وعلى الرغم من ذلك فإن الحدود الوطنية في الأجل الطويل تكون قابلة للطرق والتغير بصورة مثيرة للدهشة، وتعرض بعض الظروف احتمالات أفضل للدول الصغيرة والحديثة الاستقلال بقدر يفوق الجهات الأخرى. وكلما كانت الدولة أصغر حجماً كان من الأسهل على حكومتها ارضاء الشريحة السياسية فيها، وعلى سبيل المثال فإن 300 ألف مواطن أكثر سهولة من ارضاء 300 مليون نسمة. ولكن كما لاحظ ألبرتو أليسينا وانريكو سبولار في كتابهما "حجم الأمم" فإن الدول الصغيرة تواجه متاعب ومصاعب أيضاً، وهي تضحي بجوانب اقتصادية – كما أنها تحتاج، على سبيل المثال إلى تشغيل وكالاتها الخاصة المملوكة للدولة بدلاً من نشر الوجود الحكومي في أوساط السكان على نطاق أوسع.

ويتعين على الحدود أن تضيف إلى أعباء تكلفة التجارة وترك الدول مع أسواق داخلية أصغر على حساب العوامل الاقتصادية، وفي أوقات التوتر في السياسة الخارجية يسهل التنمر على الدول الأصغر التي تملك جيوشاً أقل عدداً ومخصصات دفاع أقل.

وول جديدة

وهكذا فإن من المحتمل أن يطرح العالم دولاً جديدة عندما يكون في حالة سلام نسبي، وعندما تخفض التقنية والتعاون العالمي الحدود الدولية في وجه التجارة أيضاً، وعلى الرغم من التحرك نحو الاستقلال في تيمور الشرقية وكوسوفو وجنوب السودان والذي رافقه موجة سفك دماء نجد أنها ليست مجرد مصادفة أن عدد الدول ذات السيادة خلال نصف القرن الماضي قد ازداد بترادف مع هبوط في مستويات العنف وزيادة في المبادلات التجارية. وبالنسبة إلى سكان كتالونيا فإن العضوية في مملكة إسبانيا تنطوي على تضحيات مثل الحاجة إلى المشاركة في اتخاذ القرار حول البعض من الأمور مع الملايين من الإسبان الآخرين.

ثم أن دوافع الأقاليم الأصغر للسعي إلى نيل الاستقلال ليست دائماً عالية الهدف، وفي الدول الغنية يساعد الأغنياء الطبقة الفقيرة من خلال مجموعة من برامج الرعاية وذلك يعني أن الأقاليم الأكثر ثراء تدعم الأقاليم الأفقر مالياً. ويتعين أن نشير إلى أن اعادة التوزيع من وجهة جغرافية ليست دائماً مصدر للتوتر. ويندر أن يشتكي سكان ماساشوستس من تدفق أموالهم على مسيسيبي، وانقسام الثروة الذي يتصادف مع الفوارق الثقافية الحادة يمكن أن يكون أكثر اثارة للنزاع. والأزمة المالية وتبعاتها التي تمثلت في زيادة معدلات البطالة وارتفاع عدد أولئك الذين يعتمدون على مساعدة الحكومة كانت الذخيرة التي استخدمها رجال السياسة في الأقاليم الساعية إلى قطع العلاقة مع موطنهم الأصلي.

اللامركزية المالية

ونتيجة للخشية من التفكك تستخدم الحكومات الوطنية في أغلب الأحيان اللامركزية المالية من أجل خفض الضغوط الانفصالية. وإعطاء الأقاليم الغاضبة مزيدا من الصوت والقرار حول القضايا المتعلقة بالضرائب والانفاق يمكن أن يبعد المعتدلين عن مواقف مؤيدة للانفصال، وقد كانت اللامركزيةجزءا من استراتيجية بريطانيا ازاء انفصال اسكتلندا على سبيل المثال.

وتفويض بعض الأقاليم بقدر أكبر من السلطة ينطوي على أخطار، ومع زيادة الدور الذي تقوم به الحكومات الاقليمية قد تجعل المواطنين أكثر ثقة في إمكاناتهم وفرصهم للتحول إلى دول مستقلة، ولذلك تعمد الحكومات في بعض الأحيان إلى تشديد إجراءاتها على الإقليم المستاء من أجل الحد من قدرته على بلوغ مرحلة الحكم الذاتي، وقد استخدمت مدريد ذلك التكتيك لبعض الوقت لاسيما في سنة 2010 عندما نجح حزب الشعب اليميني في إسبانيا في اعادة الحقوق التي سبق أن منحت إلى اقليم كتالونيا، وبالمثل قال الاتحاد الأوروبي إن الأقاليم المنفصلة يجب أن تتقدم من جديد بطلب للعضوية، ما يعني ضمناً فترة ضعف اقتصادي.

ثم إن اللامركزية ليست انفصالاً من دون ثمن تتكبده الحكومة الوطنية، وفي الأجل القصير فهو يسرع بوضوح من التباين واللامساواة بين البلد المعني نظراً لأن درجة أقل من الموارد سوف تتدفق على الأشخاص الأكثر فقراً. وبعض الاقتصاديين، من أمثال جيسونسورنز من جامعة دارتموث، يجادلون في أن اللامركزية خلال فترات أطول وعبر تشجيع المنافسة الاقليمية لتنقل الناس ورأس المال سوف تفضي إلى أداء اقتصادي أفضل. ولكن إذا استمرت الأقاليم الغنية في الحفاظ على ثرواتها فإن اللامركزية يمكن أن تخلق صعوبات دائمة للمناطق الفقيرة، ويمكن للأقاليم الغنية أن تدعم البضائع العامة بتكلفة متدنية وفي المناطق الفقيرة يكون العكس هو الصحيح.

نتيجة للخشية من التفكك تستخدم الحكومات الوطنية في أغلب الأحيان اللامركزية المالية من أجل خفض الضغوط الانفصالية

الحدود الوطنية في الأجل الطويل تكون قابلة للتغيير بصورة مثيرة للدهشة

دوافع الأقاليم الأصغر للسعي إلى نيل الاستقلال ليست دائماً عالية الهدف
back to top