6/6 : الذئاب المنفردة

نشر في 03-11-2017
آخر تحديث 03-11-2017 | 00:25
 يوسف الجاسم كتب المفكر القطري الدكتور عبدالحميد الأنصاري، أستاذ القانون، العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، في محاضرة له في أبريل 2005 حول موضوع "الجذور الفكرية للتطرف في الخليج":

"تجتاح المجتمعات الخليجية، على امتداد العقدين الأخيرين، موجات تشدد وتطرف تختلف في شدتها ومظاهرها من بلد إلى آخر، وشهد أكثر من بلد خليجي أعمال عنف وإرهاب وتضييق على حريات التعبير، وتصاعد حُمى التكفير التي لم تستثن أحداً بدءاً من الكتّاب والفنانين، كما أن هناك جواً عاماً من التوتر والبؤس والكآبة يسيطر على نفوس الخليجيين وخاصة الشباب، نتيجة التوسع في تحريم مباهج الحياة وزينتها، وتقييد الفنون والثقافات، بل إن خطاب مفكري الاعتدال أصبح يتماهى مع خطاب فكر التطرّف في نظرته إلى الحضارة المعاصرة".

واستطرد د. الأنصاري بالقول:

"إن المجتمع الخليجي يقذف الآن أسوأ ما في أحشائه من مواريث قمعية مكبوتة، لا تستطيع مسايرة المتغيرات، ولا تتكيف مع استحقاقات الإصلاح ومطالبه"... انتهى الاقتباس من تلك المحاضرة الجريئة التي نربطها بالمشاهد التي ارتسمت أمام أعيننا خلال السنوات العشر الماضية من أشكال العنف والدمار والإرهاب سواء على النطاق الخليجي أو العربي أو العالمي، وبشكل بشع لم يتخيله أفضل واضعي سيناريو الأحداث المرعبة، ولعلها السبب في استعادة الذاكرة مثل ذلك الطرح الواعي للدكتور الأنصاري، الذي أسهب فيه بتقصي الجذور الفكرية للتطرف في الخليج، سواء كانت داخلية مثل الفكر الديني المنغلق والمسيطر على مراكز اتخاذ القرار ومنابر الرأي، أو خارجية متمثلة في فكر الإسلام السياسي، الذي هو إفراز للصراع على السلطة السياسية في عدد من الدول العربية، الذي تم تصديره إلى الخليج، ليحدث خلخلة في استقرار مجتمعاته علّه يتمكن منها باعتبارها الخزينة المالية للوطن العربي، التي يظفر من يهيمن عليها بالهيمنة على حكم هذا الوطن الكبير.

أيضاً نسترجع هذا الطرح بعد الارتباط المؤسف بين أنفاس إرهاب "داعش" ومن قبله "القاعدة"، وغيرهما من المنظمات الدينية المتوحشة، بالفكر التكفيري المتحجر والمتوطن في الجزيرة العربية ودول الخليج الأخرى، القائم على الإقصاء والقمع والتشكيك في معتقدات غير أتباعه من المسلمين، واتهامهم بالضلالة والابتداع والانحراف، بل وبالكفر، ويرى في استخدام العنف وسيلة مشروعة لفرض آرائه ووصايته لا على مجتمعاته الخليجية فحسب، بل على العالم بأسره.

نقول ذلك، ونحن نرى المتشددين الإسلاميين في الخارج يرتكبون فظائعهم في العالم المتقدم غرباً وشرقاً على حد سواء، تفجيراً ورمياً ونحراً وطعناً ودهساً للأبرياء، وآخرها مذبحة مانهاتن في نيويورك بحجة الجهاد الإسلامي، متأسين بفظائع نظرائهم من الإرهابيين العرب والخليجيين الذين عاثوا دماراً وتخريباً وقتلاً في بلدانهم تحت أحلام إقامة دولة الخلافة الإسلامية، التي ظنوا أن هياكلها لا تبنى إلا على أشلاء الأبرياء وجماجمهم، وذبح أبناء المذاهب والأديان الأخرى كالنعاج بأيدي من سموهم بالذئاب المنفردة، كآخر مبتكرات تبرير الإرهاب وجرائمه المشينة!

إن بشائر الخلاص من ذلك الكابوس المتطرف لاحت باجتثاث قواعد "داعش" وأنصاره في الشام والعراق وليبيا، من خلال الهبّة العالمية للقضاء على الإرهاب، والمعزّزة بالمتغيرات الإصلاحية المنفتحة في المملكة العربية السعودية سياسياً واجتماعياً، وهذا ما انتظرناه طويلاً، لأن لكل باطل جولة لا بد أن تنتهي.

همسة:

هل يحتاج فلول "داعش" العائدون إلى تأهيل من "الأوقاف" أم محاكمة بتهمة الانضمام إلى تنظيم دموي؟!

back to top