نحو تأسيس ثقافة لحوار الحضارات والأديان

نشر في 30-10-2017
آخر تحديث 30-10-2017 | 00:06
مع أهمية المؤتمرات والمراكز البحثية المعنية بقضايا الحوار، فإن الثمار المتحققة دون الأهداف المأمولة، فالصراعات محتدمة، والكراهيات متبادلة، ومشاعر التشكيك والارتياب وأفكار التآمر ما زالت مزدهرة، ولم تفلح الحوارات في تقريب الفرقاء، واحتواء الصراعات، وإزالة سوء الفهم وسوء الظن والارتياب بين الأطراف المختلفة.
 د. عبدالحميد الأنصاري أطلقت جامعة قطر، بالتعاون مع اللجنة القطرية لتحالف الحضارات بوزارة الخارجية وكرسي الإيسيسكو لتحالف الحضارات بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، "جائزة قطر العالمية لحوار الحضارات"، وطرح مقرر جامعي باسم "تحالف الحضارات"، وهناك توجه لفتح برنامجي الماجستير والدكتوراه في حوار الحضارات.

يأتي اهتمام دولة قطر ودعمها لجهود حوار الحضارات انطلاقاً من نجاحها في استقطاب سلسلة من المؤتمرات الحوارية: الحوار بين الثقافات، وبين الأديان، وبين المذاهب، وعلى امتداد عقد كانت الدوحة عاصمة للحوار، وأثمرت إنشاء "مركز الدوحة الدولي للحوار بين الأديان"، وهو مركز نشيط يقوم بتنظيم مؤتمرات حوارية كل عام.

كانت دعوات الحوار هي المعلم الأبرز في المشهد العربي عقب كارثة ١١/٩ المأساوية، إذ شهدت الأرض العربية، المئات من اللقاءات الحوارية، وأصبحت قضايا الحوار هي الشغل الشاغل للجميع، بهدف تحجيم الاختلاف، واحتواء عوامل سوء التفاهم، وتعظيم المصالح المشتركة، وتأسيس أرضية مشتركة بين الثقافات والحضارات والأديان والمذاهب، لتفعيل قيم التسامح وقبول الآخر والعدالة والكرامة الإنسانية والحرية.

ومع أهمية وضرورة هذه المؤتمرات، والمراكز البحثية المعنية بقضايا الحوار، فإن الثمار المتحققة، دون الأهداف المأمولة: فالصراعات محتدمة، والكراهيات متبادلة، ومشاعر التشكيك والارتياب وأفكار التآمر ما زالت مزدهرة، ولم تفلح الحوارات في تقريب الفرقاء، واحتواء الصراعات، وإزالة سوء الفهم وسوء الظن والارتياب بين الأطراف المختلفة، وهذا يدعونا إلى ضرورة مراجعة وتقييم جهود المنتديات الحوارية عبر هذه المسيرة الطويلة، بهدف ضمان تصحيح مساراتها، وتوفير المزيد من الدعم لأنشطتها، وتذليل المعوقات في طريقها.

الحاجة إلى تأسيس ثقافة للحوار:

أتصور أن هذه المنتديات لم تحقق أهدافها، لافتقادها ثقافة الحوار، وهذه الثقافة، عدا منتديات الحوار، هي تلك الثقافة التي تقبل الآخر، وتتحاور معه من منطلق أن ما يجمع البشر أكثر مما يفرقهم.

لثقافة الحوار أربعة مرتكزات:

الأول: الإيمان بشرعية الاختلاف في الكون والحياة والمجتمع والإنسان أولاً، والإيمان بأن حل الخلافات يكون بالحوار السلمي، لا العنف وفرض الرأي، ثانياً.

الثاني: العمل على ترجمة التوصيات الحوارية على أرض الواقع المجتمعي: بدءاً بالمنظومة التربوية، بما يعمق في نفوس الناشئة احترام التعددية الدينية والمذهبية والثقافية والسياسية والقومية، مروراً بالمنظومة الدينية، بما يحصن الناشئة من أمراض الكراهية والتطرف، وصولاً إلى المنظومة الإعلامية، معينة على غرس ثقافة الحوار، وانتهاء بالمنظومة التشريعية.

الثالث: المصداقية: لن يحقق "الحوار الخارجي" أهدافه، ما لم يتأسس على "الحوار الداخلي" بين مختلف القوى السياسية والطوائف الدينية والمذهبية والنخب الفكرية في المجتمع، من غير تكفير أو تخوين أو تفسيق أو إقصاء أو تمييز، فنحن لن نتوصل إلى حوار، صحي وبناء مع الآخر الحضاري إلا بمقدار مصداقيتنا في إدارة حوار داخلي ناجح.

الرابع: فن الحوار: للحوار الناجح، قواعد، من أبرزها:

1- الترحيب بالآخر وما يحمله من آراء مخالفة، وعدم ترهيبه، أو منعه من التعبير. من يدري؟ ربما يحمل الرأي المخالف خيراً ومصلحة.

2- إحسان الظن به وإن كان مخطئاً، سواء في فهم ديني أو رأي سياسي أو اجتماعي، إن سوء الظن آفة اجتماعية، وهذا ما نهانا عنه الإسلام.

3- ليس من أهداف الحوار الناجح "إفحام الخصم" وتسجيل نقاط ضده، بهدف كسب الشعبية والنجومية، كما يحصل في حوارات بعض الفضائيات، إنما تحقيق فهم أفضل للآخر ولصورة الذات لديه، عبر تفكيك الصورة النمطية السلبية التي توارثها كل طرف عن الآخر.

4- فن الإصغاء: الحوار الناجح يتطلب فن الإصغاء وعدم المقاطعة، حتى نعرف كيف يفكر الآخر، وماذا يريد منا؟ لكن الحاصل أن معظم حواراتنا تفتقد حسن الإصغاء، وتتسم بعلو الصراخ وكثرة المقاطعات.

5- إنصاف الآخر: بالتزام العدل معه وإشعاره بأنه مساوٍ لخصمه في الحوار.

6- تحري الحق: عدم ادعاء تملك الحقيقة أو الصواب المطلق، والاستعداد للتراجع عن الخطأ، وقبول الرأي الآخر.

أخيراً: يعلمنا القرآن الكريم أدب الحوار في العديد من صور الحوار ونماذجه، ويدلنا على أفضل السبل التي تجعل الحوار عملاً مثمراً.

* كاتب قطري

ثقافة الحوار هي التي تقبل الآخر وتتحاور معه من منطلق أن ما يجمع البشر أكثر مما يفرقهم
back to top