6/6 : الله يستر!

نشر في 27-10-2017
آخر تحديث 27-10-2017 | 00:25
 يوسف الجاسم كان يوماً دسماً بالمعاني وحافلاً بالحدث، إنه يوم الثلاثاء الرابع والعشرون من أكتوبر، حيث توج بالنطق السامي ومضامينه البليغة التي اختصرت الرؤية العامة للأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية بعبارات لا لَبْس فيها ولا غموض، واستشرفت مستقبل هذا البلد، في إطار مرئيات شخّصت بحنكة، وحذرت بوعي، وعالجت بمهارة، وحددت لنا ما ينبغي علينا التوجه إليه، أو ما يجب تجنبه من اتجاهات.

الحكمة والحنكة والوعي والاقتدار استلهمت دروس دهور مضت من عمر هذا البلد، واتكأت على خبرة السنين، وأدركت ما قد يجري لنا، إن نحن لم نتعظ، سواء بالشأن السياسي أو الأمني أو الاقتصادي والاجتماعي.

بالألم النبيل كان الخطاب لمحيطنا الخليجي تحذيراً من عواقب التفرق وانهيار أو تلاشي منظومة مجلس التعاون وطيّ صفحات عقودها الأربعة بتصاعد الأزمة الخليجية الراهنة، واعتصر سمو أميرنا الألم حين قال:

"إن مجلس التعاون الخليجي بارقة أمل واعد في ظلام الليل العربي والشمعة التي تضيء النفق الطويل الذي يرقد فيه العمل العربي المشترك، ونموذج جدير بأن يحتذى للتوافق والتعاون البناء في الوطن العربي الكبير، وإن تصدع وانهيار مجلس التعاون هو تصدع وانهيار لآخر معاقل العمل العربي المشترك".

إنها رسالة واعية، لعل أفئدة وعقول أهلنا في الدول المتنازعة تدركها، فيجنبوننا المآل البغيض.

بعد زخم النطق السامي ومضامين الخطابات الرئاسية، عشنا حيثيات استجواب الشيخ محمد العبدالله المبارك الذي كان - في تقديري - عبارة عن مبارزة ديمقراطية راقية، لولا جرعات من التجريح الذاتي التي خرجت من بعض النواب عن موضوعية الطرح ورصانة الأداء.

انتهى الفصل الأول من المشهد البرلماني بطلب نيابي لنزع الثقة من الوزير، لتنتقل أنظار المجتمع إلى يوم الأربعاء المقبل لملاحقة المشهد الثاني والختامي لأحداث الاستجواب، ليسدل بعدها الستار، وينتقل البرلمان إلى مشاهد أخرى، آملين للوزير الخلوق "بوعبدالله" التوفيق في مواقعه الأخرى خارج الوزارة.

أعتقد أننا ينبغي أن نتعلم من تجربتنا البرلمانية التي جاوزت الخمسين عاماً أمرين:

الأول عدم الجزع من الاستجوابات، والثاني عدم الشكاية من حق البرلمان في منح الثقة أو نزعها عن الوزراء، لأن تلك إحدى الوسائل الفعالة لرقابة الشعوب على أعمال الحكومات وفقاً لاختراع العالم المتقدم لقواعد وأصول الديمقراطية والرقابة الشعبية، بغضّ النظر عن سوء استخدام هذه الوسيلة عندنا وحُسن استخدامها عندهم، وعلينا ألا نعتبر نزع الثقة عن وزير في الحكومة، وخاصة إذا كان من الشيوخ، أزمة كبرى تستدعي إما شراء المناصرة النيابية وخلق طبقات برلمانية طفيلية تعتاش على الاستجوابات، أو رفع الحكومة لخطاب عدم التعاون مع المجلس، وبالتالي حله.

لا ينبغي يا سادة استخدام الشعب كأداة لنجدة الحكومة والتغطية على إخفاق بعض الوزراء وإنقاذهم من مساءلات البرلمان، وينبغي عدم جرجرة الناس كل كم سنة أو كم شهر لانتخابات مبكرة، ظناً أنهم سيأتون بمجالس أكثر انقياداً للحكومة، فهو أمر أثبتت الأحداث عدم صحة افتراضه.

عموماً، نأمل أن يصار إلى تشكيل حكومة جديدة يغاير نهج تكوينها التقليدي الفائت، أي المحاصصة لا الكفاءة، ونأمل ألا يكون استقرارنا وتنميتنا ومستقبل أبنائنا هي كباش الفداء للتوترات بين المجالس والحكومات المتعاقبة... والله يستر!

همسة:

ذهب أوباما وجاء ترامب وبقيت أميركا، وذهب كاميرون وجاءت تيريزا وبقيت بريطانيا، وذهب أولاند وجاء ماكرون وبقيت فرنسا.

إنها الديمقراطية يا جماعة.

back to top