الاستغناء عن الولايات المتحدة صار ممكناً في العراق

نشر في 22-10-2017
آخر تحديث 22-10-2017 | 00:06
 ذي أتلانتك "عندما ينشب القتال بين العرب والأكراد، إلى أي جانب سيقف الأميركيون؟" كانت هذه الرسالة التي طلب مسعود برزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، من كبير موظفيه أن ينقلها إليّ لأحملها بدوري إلى كبار المسؤولين الأميركيين في بغداد عام 2010.

كنت حينذاك مستشارة سياسية للجنرال ريموند ت. أوديرنو، قائد القوات الأميركية في العراق، وكان رئيس وزراء العراق آنذاك نوري المالكي وبرزاني قد سألا الجنرال أوديرنو مساعدتهما في تفادي الصراع، بعدما شعرا بالقلق حيال تنامي التوتر بين العرب والأكراد قبيل انتخابات عام 2010 الوطنية في محافظة نينوى؛ لذلك طوّرنا نظاماً من نقاط التفتيش المشتركة بغية تسهيل التعاون بين القوى الأمنية العراقية، والبشمركة الكردية، والقوات الأميركية.

ومع تراجع خطر "داعش" اليوم إلى حد كبير واقتراب انتخابات عام 2018، بدأ السياسيون العراقيون والأكراد يستعدون لكارثة محتملة، فلا شك أن برزاني عاود التساؤل عن الجانب الذي وقفت معه الولايات المتحدة عندما اقتحم مقاتلو الجيش العراقي والميليشيات الشيعية محافظة كركوك على متن دبابات إم-1 أبرامز وآليات هامفي، فسيطروا على المطار، وحقول النفط، ومبنى الحكومة، وأنزلوا علم كردستان.

أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تنحاز في ما تعتبره خلافاً بين الحكومة العراقية والحزب الديمقراطي الكردستاني أشعله برزاني، واشنطن مستاءة لأن برزاني لم يصغِ إلى تحذيراتها وأجرى الاستفتاء، وتواصل تشديدها على أنها تدعم سياسة "الدولة العراقية الموحدة"، وأن من الضروري أن تواصل كل الأطراف التركيز على محاربة "داعش".

يشعر برزاني أن الولايات المتحدة خانته مرة أخرى، فهو لم ينسَ مطلقاً أنها تخلت عن والده عندما كان بأمس الحاجة إليها عام 1975، بعدما قطع شاه إيران الدعم فجأة عن الأكراد مقابل اعتراف صدام حسين بملكية إيران للأراضي التي تطالب بها.

لجأ الملا مصطفى برزاني حينذاك إلى الولايات المتحدة طلباً للمساعدة، إلا أن هنري كيسنجر رفض، فانهارت المقاومة الكردية، وعندما التفت برزاني اليوم إلى الولايات المتحدة طلباً للدعم، قيل له إن الأزمة الراهنة من صنع يديه.

عند تأمل هذه المسألة عن كثب، يبدو أن النصر كان حليف حيدر العبادي، السياسي الذي تريد الولايات المتحدة أن يفوز في انتخابات عام 2018 لأنها تعتقد أنه "رجلنا"، وأنه وطني عراقي، وأنه سيسمح لعدد من القوات الأميركية بالبقاء في العراق.

ولكن عندما ننظر إلى الصورة الأشمل، يبدو هذا نصراً إيرانياً إضافياً، فتُظهر إيران للجميع في المنطقة أنها هي الحليف الذي لا غنى عنه، لا الولايات المتحدة، وتعمل إيران على تأمين ممراتها في العراق وسورية، مؤديةً دور الوسيط بين المجموعات المختلفة على الأرض.

في المقابل تتراجع المساحة التي تشغلها الولايات المتحدة، وعلاوة على ذلك تضطلع إيران بدور أساسي، ساعيةً للتوصل إلى صفقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحكومة العراقية، فضلاً عن أنها توجه الميليشيات الشيعية التي تدعم العراق.

من مصلحة إيران الحفاظ على تلك الميليشيات، مما يصعّب على أي رئيس وزراء عراقي مهمة حلّها، بالإضافة إلى ذلك تزداد تركيا، التي كان سابقاً حليف الولايات المتحدة، تقرباً من إيران وروسيا.

من الممكن التوصل إلى تسوية ما لإقامة اتحاد كنفدرالي يضم كردستان ويمنح كركوك وضعاً خاصاً، لكن هذه الخطوة تتطلب وساطة، ومن غير المرجّح أن يضطلع الأميركيون بهذا الدور.

لمَ تُعتبر هذه المسألة مهمة؟ لأن التسوية الإيرانية لن تنشر الاستقرار في المنطقة، إلا أنها ستدوم وقتاً كافياً لتقوّض مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، ولكن إذا لم نسعَ إلى ضبط إيران وحلفائها، فسيصطدمون بإسرائيل عاجلاً أو آجلاً. وستُضطر الولايات المتحدة عندئذٍ إلى التحرّك.

* إيما سكاي

* «أتلانتيك»

back to top