حكام المصارف المركزية يواجهون أزمة ثقة

نشر في 21-10-2017
آخر تحديث 21-10-2017 | 00:00
خلال وجود حكام المصارف المركزية في واشنطن لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي، برزت أزمة ثقة في العمليات المصرفية المركزية، فقد تبين أن نماذجهم الاقتصادية أخفقت، كما أن هناك شكوكاً حول مدى إلمامهم بتداعيات معدلات الفائدة والسياسات النقدية الأخرى على الاقتصاد.
يجهد حكام المصارف المركزية لمعرفة الأسباب التي تجعل الاقتصاد العصري يتحسن وقد تفضي قراراتهم الى نتائج سيئة.

وكان حكام المصارف المركزية قد أنقذوا الاقتصاد العالمي من أزمة مالية وأغرقوا العالم بأموال رخيصة، كما استخدموا سلطاتهم بصورة فعالة من أجل دفع البنوك الى تقديم قروض من جديد، وأفضت تصرفاتهم هذه الى رفع قيمة الأصول والحفاظ على ثقة الشركات والمستهلكين عند مستويات عالية. وتعتمد الأسواق المالية والناس على أقوالهم وآرائهم ولكنهم لم يتعرضوا قط الى مساءلة.

وخلال وجودهم في واشنطن لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي برزت أزمة ثقة في العمليات المصرفية المركزية، فقد تبين أن نماذجهم الاقتصادية أخفقت وتوجد شكوك حول ما اذا كانوا يفهمون تأثيرات وتداعيات معدلات الفائدة والسياسات النقدية الاخرى على الاقتصاد.

وبكلمات مختصرة فإن حكام المصارف المركزية قد لا يفهمون الأسباب التي تدفع الاقتصاد الى التحسن مع أن قراراتهم يمكن أن تلحق الضرر به، وفيما قام عدد من الخبراء بانتقاد سلطة حكام المصارف المركزية في جناحي اليمين واليسار فإن تلك الشكوك العميقة لم تكن حاضرة قط في عالمهم الضيق. وبحسب الملياردير المستثمر وارن بافت فإن الخطر يكمن في سلوك المستقبل، كما أن قدرة حكام المصارف المركزية على ايجاد أجوبة على هذه الأسئلة لا تؤثر على معدلات النمو فقط بل تتجاوز ذلك الى التأثير على سلامة الاقتصادات المتقدمة التي تعرض عدد كبير منها الى حملات من جانب ثورات شعبية.

ويقول آدم بوسن وهو رئيس معهد بيترسون وحاكم سابق لبنك انكلترا « اذا لم نتمكن من اعادة مستويات التضخم فإن المشاكل سوف تحدث، ونحن لا نستطيع تحقيق استقرار سياسي من دون زيادة في الأجور على أي حال «.

وترجع جذور الاضطراب الحالي في السياسة النقدية الى أن التضخم في الدول المتقدمة – من اليابان الى الولايات المتحدة – يمضي بطريقة تخالف توقعات النماذج الاقتصادية، وقد أخفق الانكماش في التحقق خلال الركود الكبير الذي شهده العالم في 2008-09 ونظراً لأن الاقتصاد العالمي يعيش اليوم أفضل وأقوى حالاته منذ سنة 2010 فقد غابت ضغوط التضخم الى حد كبير. وحتى مع هبوط معدلات البطالة في الدول المتقدمة من 9 في المئة الى أقل من 6 في المئة اليوم فإن أرقام صندوق النقد الدولي الأخيرة تظهر أن زيادة الأجور استمرت عند زيادة سنوية وصلت الى 2 في المئة فقط. وتداعت العلاقة الطبيعية في سوق العمل، وفي خضم هذا الكابوس صدرت أحاديث اتسمت بالصراحة. وعلى سبيل المثال فإن جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي وأبرز حاكمة لمصرف مركزي في العالم كانت الأكثر وضوحاً وصراحة حيث قالت في الشهر الماضي إن «إطار العمل لدينا من أجل فهم ديناميكية التضخم يمكن أن يساء تحديده بطريقة أساسية». وقد انتشرت مشاعرها هذه على نطاق واسع، وبالنسبة الى حاكم بنك انكلترا مارك كارني فإن الاعتبارات العالمية «جعلت الأمور أكثر صعوبة بالنسبة الى البنوك المركزية لوضع سياسة ترمي الى تحقيق أهدافها».

ويحافظ رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي على الثقة حتى الآن ولكنه يلاحظ أن « التوسع الاقتصادي الحالي لا يزال في حاجة الى أن يترجم الى ديناميكية تضخم أقوى بصورة كافية «. ويقول كلوديو بوريو، وهو كبير الاقتصاديين لدى بنك التسويات الدولي الذي يقدم خدمات مصرفية الى بنوك العالم المركزية: «إذا تحدث أحد بصدق تام فسوف يصعب عليه تفادي السؤال المتعلق بمدى ما نعرفه حقاً عن عملية التضخم».

وتعتبر تفاصيل نماذج الاقتصاد الواسع معقدة للغاية، ولكنها تنطوي على علاقة تدعى منحنى فيليبس، وهي بين الدورة الاقتصادية والتضخم. ويمكن قياس تلك الدورة من خلال معدلات البطالة ومعدلات النمو وغير ذلك ويتوقع هذا النموذج أنه في حال تحسن الوضع الاقتصادي، وإذا هبط معدل البطالة عن المستوى المستدام في الأجل الطويل، أو اذا كان معدل النمو أسرع من حدود سرعته فإن معدل التضخم سوف يرتفع، وقد تعززت هذه النماذج من خلال فكرة توقع التضخم التي تبقيه أقرب الى هدف البنك المركزي – وهو في العادة عند 2 في المئة – وذلك إذا شعرت العامة بثقة في أن حكام المصارف المركزية سوف يقومون بما يلزم من أجل عودة التضخم الى المستوى السابق.

العوامل الأكثر أهمية

وفي هذا النموذج تتمثل العوامل الأكثر أهمية التي تفسر حركات السعر في درجة مساحة نمو الاقتصاد من دون تضخم والتي توصف بما يدعى «فجوة الإنتاج»، وتوقعات العامة بالنسبة إلى معدل التضخم. كما يتمثل دور البنوك المركزية في هذا النموذج في تحديد معدلات الفائدة في الأجل القصير، وإذا حدد أحد البنوك المركزية معدلات الفائدة الخاصة به عند مستويات متدنية فسوف يتشجع الناس والشركات على الاقتراض بدرجة أكبر من أجل الانفاق والاستثمار مع الابتعاد عن فكرة التوفير وهو ما يفضي الى تحسين الوضع الاقتصادي في الأجل القصير. كما أن معدلات الفائدة الأعلى تقلص الطلب وتتمثل أول مشكلة أساسية في هذا النموذج، وكما يقول بوريو، في «الصلة بين اجراءات الانكماش المحلية والتضخم، وهو ما أثبت أنه ضعيف ومضلل طوال عقدين من الزمن على الأقل». وبينما عادت معدلات البطالة في اليابان اليوم الى مستويات حقبة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي فإن معدلات التضخم لا تكاد ترتفع فوق درجة الصفر، وفي بريطانيا وصل معدل البطالة الى حوالي النصف منذ سنة 2010، ولكن معدل نمو الأجور ظل عند مستوى سنوي من 2 في المئة. ويتقيد العديد من الاقتصاديين وحكام المصارف المركزية بهذه النظرية التي يصل عمرها الى 30 سنة تقريباً، وهم يسعون الى وضعها في سياق يهدف الى تفسير الأحداث الأخيرة بدلاً من استبعادها لصالح أفكار أقل تشدداً. وتنتشرهذه الصور في كل أنحاء العالم على الرغم من اختلاف التفسيرات المتعلقة بها الى حد كبير.

نظرة جانيت يلين

وقد أبرزت جانيت يلين قضايا المقاييس في التضخم والتحولات في أسعار بعض المواد كما هو الحال بالنسبة الى الهبوط الكبير في أسعار خدمات الاتصالات في وقت سابق من هذه السنة. وبالمثل فإن البنك المركزي الأوروبي يتطلع الى تحديد جديد عبر التضخم الفائق الذي يجرد المزيد من المواد من المؤشر كما يظهر أن البنك يقوم بأداء أفضل ازاء هدفه ولكن قلة فقط من حكام المصارف المركزية يرضيهم ذلك.

ويتمثل التفسير الثاني في أن مستوى البطالة يتماشى مع هبوط التضخم المستقر، وفي سنة 2013 ظن بنك انكلترا أن اقتصاد المملكة المتحدة لا يستطيع تحمل هبوط معدل البطالة الى أقل من 7 في المئة قبل الأجور وأن التضخم سوف يرتفع. ويظن ذلك البنك الآن أن المعدل هو 4.5 في المئة. وضمن هذا المنطق كان التضخم منخفضاً بسبب وجود انكماش أكبر في الاقتصاد بقدر يفوق ما كان يعتقد.

صعوبة التقدير

والمشكلة في هذه التفسيرات هي – كما يلاحظ دانييل تارولو الذي شغل منصب حاكم مجلس الاحتياطي الفدرالي لثمانية أعوام وحتى شهر أبريل الماضي – هي أن حكام المصارف المركزية يستمرون في تغيير فكرتهم عن مستويات البطالة المحتملة، وأن «التقدير السليم يصعب في بعض الأحيان أن يختلف عن التخمين في محاولة لرؤية التطورات الانتقالية».

أما التفسير الثالث فيتمثل في نجاح حكام المصارف المركزية في تحديد توقعات التضخم والشركات لا تسعى الى زيادة الأسعار بسرعة وأن العمال لن يطلبوا زيادة في الأجور على الرغم من توافر فرص العمل.

وقد حث السيد ماريو دراغي في الآونة الأخيرة المطالبين برفع معدلات الأجور على التوقف عن النظر الى الوراء بالنسبة الى معدلات التضخم في الماضي عندما يجرون مفاوضات حول الأجور، وهي خطوة لم يكن لأحد أن يفكر فيها بالنسبة الى حاكم بنك مركزي.

وتتمثل المشكلة في هذا التفسير في منطق الخدمة الذاتية وفي حقيقة أن توقعات التضخم لا يمكن قياسها، ويقول دانييل تارولو «خلال عملي في مجلس الاحتياطي الفدرالي كنت أشعر بقلق من أن توقعات التضخم تشكل ثقلاً كبيراً على السياسة النقدية في هذه الأيام نظراً لمدى وعمق الأسئلة التي ظلت من دون جواب حولها».

وفي غضون ذلك، يشتكي بنك اليابان من خفض الشركات لساعات العمل ورفع الانتاجية بدلاً من زيادة الأجور وهي خطوة تعرقل القدرة على رفع معدل التضخم على الرغم من الهبوط الحاد في معدل البطالة. وتتمثل المشكلة الأساسية الثانية في عمل المصارف المركزية في أن تقديرات معدل الفائدة قد انخفضت في شتى أنحاء العالم. وقد هبطت تقديرات مجلس الاحتياطي الفدرالي لمعدل الفائدة بحوالي الثلثين خلال خمس سنوات من 2 في المئة الى 0.75 في المئة.

• Chris Giles

نظراً لأن الاقتصاد العالمي يعيش اليوم أفضل وأقوى حالاته منذ سنة 2010 فقد غابت ضغوط التضخم إلى حد كبير

جذور الاضطراب الحالي في السياسة النقدية ترجع إلى أن التضخم في الدول المتقدمة كاليابان والولايات المتحدة يمضي بطريقة تخالف توقعات النماذج الاقتصادية

الأسواق المالية تعتمد على أقوال حكام المصارف المركزية وآرائهم غير أن هؤلاء لم يتعرضوا إلى مساءلة قط

تحديد أحد البنوك المركزية معدلات الفائدة الخاصة به عند مستويات متدنية يشجع الناس والشركات على الاقتراض بدرجة أكبر من أجل الإنفاق والاستثمار مع الابتعاد عن فكرة التوفير وهو ما يفضي إلى تحسين الوضع الاق
back to top