«الانقلاب الأبيض»!

نشر في 20-10-2017
آخر تحديث 20-10-2017 | 00:00
 مجدي الطيب ما يحدث هذه الأيام في «المهرجان القومي للسينما المصرية» يشي بأن ثمة انقلاباً يقوده رئيس المهرجان المخرج د. سمير سيف، بحنكة وهدوء كبيرين، ويجري الترتيب له، بإحكام ودقة ليسا غريبين على شخصيته الرصينة، وميله الدائم إلى الاحتكام للعلم ومواكبة ما يعيشه العالم من حولنا.

فوجئ الجميع بسيف، قبل أيام من انطلاق الدورة الحادية والعشرين للمهرجان (18 – 26 أكتوبر 2017)، يلغي حفلة الافتتاح، ويكتفي بحفلة واحدة تُقام في ختام أعمال الدورة، وتشهد تكريم المبدعين، وتوزيع الجوائز عقب إعلان النتائج التي تتوصل إليها لجنتا تحكيم مسابقتي الأفلام الروائية الطويلة والأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية والتحريك، وبرر قراره بأن هذا ما يحدث في جوائز «الأوسكار» الأميركية، التي تمنحها أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، وتُعد واحدة من أرفع الجوائز السينمائية في الولايات المتحدة، والعالم، وجوائز «سيزار» الفرنسية، التي تمنحها أكاديمية الفنون وتقنيات السينما الفرنسية لأفضل الإنتاجات السينمائية الفرنسية في العام، بما يعني أن د. سمير سيف يستهدف تحويل المهرجان إلى مسابقة.

الوصول إلى هذا الهدف دفع به إلى إدخال تغيير على اللائحة، وإلغاء البند الخاص بمشاركة الفيلم «حسب تاريخ خروج نسخته من المعمل»، وتعديله ليصبح «أن يكون الفيلم عرض عرضاً عاماً داخل جمهورية مصر العربية خلال العام السابق لعام المهرجان»، وبرر التعديل بأن هذا ما يحدث في «الأوسكار» و{سيزار»، كما أن التطور التكنولوجي الذي يجتاح العالم في الفترة الراهنة أدى إلى إلغاء المعامل في شكلها التقليدي، وتعدد وحدات إصدار الأفلام بتقنيات جديدة، وهو ما استتبع تغيير الشرط الخاص بتحديد سنة إنتاج الأفلام حسب تاريخ خروجها من المعامل!

«الانقلاب الأبيض»، الذي يقوده سيف، اكتملت ملامحه باستحداث مادة جديدة في لائحة المهرجان، تحت رقم 11، تقول: «لصندوق التنمية الثقافية أن يُقيم عروضاً للأفلام المشاركة بالمهرجان في أي من محافظات مصر تحقيقاً لاستحقاق العدالة الثقافية الوارد بنصوص الدستور»، وبمقتضى هذه المادة اتسعت رقعة عروض المهرجان، وبدلاً من أن تصبح مقصورة على القاهرة، وجمهورها، وصلت إلى ست محافظات مصرية هي: الإسكندرية، الدقهلية، المنيا، سوهاج، الأقصر وشمال سيناء، ونجحت إدارة المهرجان، ومن خلفها صندوق التنمية الثقافية الذي ينظم ويمول المهرجان، في الاتفاق مع المحافظات الست على استضافة قافلة النقاد التي ستصاحب عروض الأفلام، وتناقشها مع الجمهور، لتكتمل الفائدة، وتُصبح المحافظات ساحة ثرية للنقاش حول القضايا التي تطرحها الأفلام من ناحية، وتتحول إلى حائط صد ضد التطرف الذي وجد، في غياب السينما، وتحول قصور الثقافة في المحافظات إلى أوكار للتعاطي، وأطلال وخرائب ينعق فيها البوم، مرتعاً لبث كل أشكال العنف، ومأوى لتدريب الصبية على الإرهاب بدلاً من تجفيف منابعه!

على غرار ما يحدث في حفلي توزيع جوائز «الأوسكار» و{سيزار»، لن يُصبح الاحتفال مقصوراً، في المهرجان القومي للسينما المصرية، على توزيع الجوائز على مبدعي الأفلام، من فنانين وفنيين، وإنما سيتجاوز الأمر هذا إلى تكريم أربع من كبار القامات في صناعة السينما المصرية هم: النجمة لبنى عبد العزيز، والمخرج خيري بشارة، ومدير التصوير محسن أحمد، ومونتيرة النيغاتيف ليلى فهمي، الذين ستصدر أربعة كتب عنهم، بينما يُكرم المهرجان اثنين من الجنود المجهولين، الذين أفنوا حياتهم في خدمة صناعة السينما هما: منسق المناظر عباس صابر، ورئيس فنيي الإضاءة عبد الشافي محمد، وهو التقليد الإنساني الذي أرساه سيف عندما كان رئيساً للجنة السينما، وتوقف العمل به كالعادة عقب رحيله عن اللجنة!

قيمة وأهمية المهرجان القومي للسينما المصرية لا تكمن في جوائزه المالية، التي تمنحها الدولة، رغم الظروف الاقتصادية العصيبة، وتبلغ قيمتها مليوناً و184 ألف جنيه مصري، لكنها تتمثل في حرص الدولة على دعم السينما، وتقدير العاملين بها، وفي إصرار المهرجان على الصمود في مواجهة ما يتعرض له الوطن من أخطار، وقدرته على ملاحقة، وتعرية، الأفكار الهدامة، عبر الشعارات ذات الدلالة، التي يختارها لكل دورة، كما في دورة هذا العام، التي حملت شعار «السينما شعاع للغد»، والدورة العشرين (12 – 20 أكتوبر 2016) التي رفعت شعار «السينما مفتاح الحلم»، والدورة التاسعة عشرة (7 – 16 أكتوبر 2015)، التي حملت شعار «أفلامنا مرآتنا»، بينما كان شعار الدورة الثامنة عشرة (5 – 12 أكتوبر 2014) «من جيل لجيل.. نتواصل»، وفي أول دورة بعد توقف المهرجان، بسبب الظروف السياسية التي مرت بها مصر، كان طبيعياً أن تنحاز الدورة السابعة عشرة (18 – 26 نوفمبر 2013) إلى شعار «أفلامنا الحلوة.. من تاني».

back to top