المؤلفة الموسيقية والسوبرانو اللبنانية هبة قوّاس: غنائي يُدهش الجمهور الغربي

نشر في 20-10-2017
آخر تحديث 20-10-2017 | 00:00
هبة قوّاس
هبة قوّاس
حفل صيف المؤلفة الموسيقية والسوبرانو هبة قوّاس بالحفلات والمهرجانات في أرجاء أوروبا، حيث قدّمت مجموعة من المقطوعات الشرقية والغربية مندمجة في قالب موسيقيّ راقٍ. وهي تنهمك راهناً في وضع اللمسات الأخيرة على ألبومها الجديد، وتنتظر التوقيت المناسب لطرحه، كذلك تستعد لإعلان عن مشروع عالمي ضخم.
عن نشاطها الأخير ومشاريعها المقبلة تحدثت قواس إلى «الجريدة».

أمضيت صيفاً حافلاً في أوروبا، ما تفاصيل نشاطك هناك؟

أحييت حفلات في أرجاء إيطاليا، وسردينيا، وميلانو، ومايوركا، وختاماً في روما. كذلك عقدت اجتماعات عمل لمشروع عام 2020. كانت لافتًة الحفلة التي قدّمتها في سردينيا حيث تفاعل الجمهور بقوّة مع الموسيقى التي دمجت فيها بين أعمالي الخاصة وأعمال سردينية.

ما هي مشاريعك المقبلة؟

نحضّر «مشروع 2020» وهو ضخم، وفور إنجاز تفاصيله سنعقد مؤتمرات صحافية لبنانياً وعربياً وعالمياً لإعلانه. من جهة أخرى، سيصدر قريباً ألبومي الجديد «صوتي يستمع».

ألبوم

ماذا يتضمّن الألبوم؟

يحوي 12 مقطوعة موسيقية تعاونت فيها مع الشعراء: زاهي وهبي، وندى الحاج، وراغدة محفوظ، وعبد العزيز خوجة، وهدى النعماني، وأليدا، وهو يتنوع بين الدراما والشرقي، ولكن يمكن القول إنه أكثر دراماتيكية من الألبومات السابقة، وأعتقد أنه سيشكّل خطوة متقدّمة في مسيرتي الموسيقية حتى الآن.

نلاحظ توأمة فنية بينك وبين بعض الشعراء، كيف تفسّرين هذا الارتباط؟

فرعي

تكرّر التعاون مع الشعراء ندى الحاج، وهدى النعماني، وأنسي الحاج، وعبد العزيز خوجة، لأن رابطاً روحياً يجمعنا. أشعر بمرحلة معينة أنني قريبة من إحساس ما أو لغة ما أو من طريقة تعبير معيّنة، فالشعر الإبداعي يدفعنا خارج اللغة والملموس العادي، وهذه الحالات تكون متقاطعة بين أشخاص معيّنين.

لمَ يستغرق تحضيرك لألبوم جديد سنوات؟

بسبب الإنتاج وكلفته، فأنا أتوّلى شخصياً إنتاج أعمالي.

الشرق والغرب

ينظر الغرب إلى الشرق على أنه منبع الإرهاب والقتل، فما أهمية الصورة الموسيقية الراقية التي تقدّمينها على مسارح العالم؟

أتمنى أن نمثّل حقيقتنا حول العالم لأن شرقنا العظيم قدّم الأديان والفلسفة والفكر، وليس الإرهاب. ظهر الإرهاب يوم سافر الدين إلى مكان آخر ليعود مقولباً سياسياً بطريقة مختلفة. فهذا الشرق الذي تحدّث عن الله الواحد أو العلاقة الكونية والطاقة الكونية قصد السلام وليس شيئاً آخر. في رأيي، من بلغ مرحلة الاتحاد مع المطلق بلغ مرحلة الإبداع، وهو يعمل من خلال الوصل.

من جهة أخرى، تحوّل العالم إلى جزر حيث يتعامل الناس مع بعضهم بعضاً بتقاطع، أي قد يشعر الإنسان الغربي بأنه أقرب تفكيراً وإحساساً إلى شخص مشرقي، أكثر من جاره، والعكس صحيح. من ثم، ليس بالضرورة أن يصدّق الغرب فكرة الإرهاب عن الشرق، وإن كان الإعلام يسوّق ذلك بشكل أو بآخر. كلّ منا يختار الفكر والثقافة التي تناسبه، فثمة من اختار الثقافة المسطّحة وثمة من اختار الفكر والثقافة والعلم، وعلى هذا الأساس نختار الأشخاص الذين نتقاطع معهم بغض النظر إن كنّا جيراناً أو من قارات مختلفة. لذا أتمنّى أن يعكس كل مبدع في العالم العربي حقيقة وطننا.

ألا ترين أن ثمة انحطاطاً ثقافياً موسيقياً في الواقع الذي نعيشه؟

طبعاً، وذلك لا يقتصر على الشرق إنما يمتدّ إلى كل بلدان العالم، مع فارق أن لهؤلاء دور أوبرا ومسارح ومتاحف، فيما ثمة مسعى وخطوات متتالية لدينا إلى إنشاء مسارح ودور أوبرا وهي ما زالت مباني لاستقبال عروضٍ من الخارج وليست مؤسسات تضمّ مخرجين ومبدعين ومنتجين.

أليس ثمة أزمة عالمية أيضاً في هذا الإطار؟

نعم، فثمة دور أوبرا عالمية تقفل بسبب غياب التمويل لأن العنوان العريض السائد راهناً هو الفنّ التجاري. إنما أظنّ أن الثقافة ستؤدي دوراً كبيراً في المرحلة المقبلة بشرط أن يفكّر القيمون عليها بطريقة جديدة للتواصل الذي تحوّل إلى النقل المباشر live streaming. يجب التفكير بأسلوب جديد لتسويق الفكر العلمي والثقافي لأنهما يطوّران الإنسانية ومن الخطورة القول إن الغالبية الساحقة من الناس مسطّحة فكرياً لأن ذلك يؤدي إلى خراب العالم.

في رأيي، إن لم تفكّر دور الأوبرا بطريقة جديدة للتواصل مع الجيل الجديد لن تكون الأمور سهلة في ظل الفكر التسويقي السائد. فهذا الجيل يعيش الحياة الذكية السهلة من خلال وسائل التواصل والأجهزة المتطورة إنما هو لا يستخدمها بطريقة ذكية للمعرفة سواء العلميّة أو الشعرية أو الموسيقية. إذا لم نوّجهه ليتعلّم ما يختار ويقرأ بدءاً من المنزل وصولاً إلى المدرسة، فأي مستقبل ينتظرنا؟

أجيال وتكنولوجيا

ما القيمة الفنيّة التي يمكن توريثها للجيل المقبل في ظلّ واقع سيطرة التكنولوجيا؟

ممكن أن نستخدم تلك التكنولوجيا لتوسيع الآفاق والإمكانات، إنما تكمن المشكلة في المناهج التعليمية في الدول كافة، حيث أنها لا تولي أهمية لكيفية التعامل مع هذه النوعية السريعة من التطوّر بشكل يعزّز قدرات الإنسان التي هي أساساً كبيرة جداً ولا نستخدم سوى نسبة ضئيلة منها.

نشأت منذ نعومة أظفارك على مستوى موسيقي معيّن، فما أهمية التربية والتوجيه في هذا الإطار؟

من المهمّ جداً توافر التوجيه في القطاعات كافة وليس في قطاع الفنّ فحسب، فإذا لم يكن المنزل مؤهلاً ثقافياً لتأمين هذا التوجيه، يجب توافر طريقة توجيهية في المدارس تقوم على كيفية التعامل مع هذه العلوم التكنولوجية الحديثة من أجل استخدامها للمعرفة والتطوير ولمصلحة الفكر الشخصي. من جهة أخرى، تطوّر الموسيقى الجهاز الفكري والعصبي والسمعي لدى الأطفال وتسهم في تطوير ذكائهم. لذا من المهم توافر حصص موسيقية أيضاً في المناهج التعليمية كونها قادرة على نقل مجتمع كامل من مرحلة ثقافية إلى أخرى.

أي فنّ أصيل يمكن أن يتذوّقه الجمهور ما دام الفنّ تشوّه بدءاً من الغناء الشعبي؟

نسمع راهناً أغاني «كباريه» لا أغانٍ شعبية. لا ينتهي الحسّ الطبيعي في رأيي إنما ينام ويتآكله الغبار والأوساخ، ولا يحتاج سوى إلى تنظيف لبلوغه من جديد. مثال ذلك، إذا استُخدم مقطع موسيقي من عمل سمفوني ما في إعلان تلفزيوني أو في رسوم متحركة نلاحظ مدى تعلّق المشاهدين به، بفضل التكرار الذي يقوم بعملية تنظيف للطبقة الخارجية وصولاً إلى الجهاز الطبيعي، ما يوّلد ردّ فعل إيجابياً لدى الجمهور. أؤمن بالإنسان وبأن التلوّث لا يغيّر النظام، وأرى أن ثمة قلّة تعمل جديّاً لحماية الحالة الإنسانية لدينا.

هل تحافظ الموسيقى الشرقية على سحرها وغموضها بعين الغرب؟

لا يحتاج المجتمع الغربي إلى كلماتٍ كونه يتبع المقطوعة الموسيقية. فرغم أننا عاطفيون وهم عقلانيون، لكنهم يندمجون مع الموسيقى أكثر من الكلام، فيركّزون على التوزيع الأوركسترالي وتقنيات الصوت والموسيقى ويندهشون بالصوت الجديد الذي أحضره من الشرق والمغاير للصوت الذي اعتادوا عليه في بلادهم. فضلاً عن أنني أدمج بين التقنيات العالمية وبين الروح والمادة الموسيقية الشرقية، ما يصيب الجمهور الغربي بالدهشة، خصوصاً أنه يسعى إلى سماع ما لم يعتد عليه، وحتى الآن لم أصادف إلا النجاحات هناك.

إعلام وعالمية

بسؤالها عن كيفية الارتقاء فنيا وموسيقيا في غياب الإضاءة الإعلامية اللازمة لذلك، قالت قواس:

عندما انطلقت في مسيرتي، بدأت من العدم والفراغ فأضعت وقت الموسيقى والتأليف لبناء علاقات وتوفير ما يلزم للإنتاج، وذلك لم يكن أمراً سهلاً. جعلني هذا الحمل مقصّرة إعلامياً، علماً بأن الإعلام ليس غبياً إذا توجهت إليه، إذ يسعى من خلالك إلى إضافة مادة راقية إلى مواده، إنما ألا يجدر به أن يقوم بخطوة أيضاً تجاهنا وعدم انتظار أن نطرق بابه؟ أعلم ضرورة أن أسعى إلى التسويق ووضع خطّة في هذا الإطار من أجل الوصول إلى جمهور أوسع بدلاً من اقتصاره على نخبة معيّنة. إنما سيتحقق هذا الهدف على حساب تأليفي موسيقى جديدة وتمرين صوتي وتقديم إنتاجات جديدة. صحيح أنني تطوّرت إنسانياً وتوّسعت مجالاتي ولكن ذلك لم يكن سهلا أبداً، وكنت أتمنى لو يتوافر من يهتم بالتسويق والإنتاج لأتفرّغ لتمرين صوتي والتأليف. على كلٍّ، لكل أمر ناحية إيجابية وأخرى سلبية بشكل أو بآخر.

وعما إذا كان انتماؤها انتقل من الشرق الى العالمية بفضل وقوفها على مسارح العالم توضح:

أحمل عالمي العربي حيثما وُجدت سواء بصوتي أو بإحساسي أو بموسيقاي، فجزء من تميّزي ودهشة الغرب يكمن في قدرتي كسيدة عربية على تقديم هذا الفنّ على مسارحهم. صحيح أنني نلت جوائز عالمية كثيرة وميّزوني عن مؤلفين غربيين، إنما لا يفارقني إحساس أنني أحمل وطني إلى الخارج. أستمدّ توقيعي الخاص من انتمائي إلى الأرض التي ولدت فيها لأترك تميّزاً في العالم.

بين الواقع والحلم

تعبّر الأوبرا عن أحاسيس كثيرة، حب وشغف وقوة وضعف، فهل تعيش هبة قواس على خشبة المسرح انقساماً بين الواقع وبين الحلم الذي تقدّمه لها تلك الموسيقى؟ تقول في هذا الشأن: «يكون الواقع أحياناً ساحة معركة أو حدّاً فاصلاً لتقديم مسرح جديد. إنما المسرح هو لحظة الحقيقة الكاملة ولحظة وصْلي بحقيقتي، فحين أغادر خشبته إلى الواقع أكون أبعد ما يكون عن حقيقتي. وحين أشتاق إلى المسرح أكون مشتاقة إلى الأنا العليا التي أتحد بها، وهي لحظة الإبداع فيما الأنا الصغرى هي التي نستخدمها في حياتنا الواقعية اليومية».

وتؤكد أنها تنقل جمهورها في المسرح معها إلى الأنا العليا، موضحة: «ثمة حلقة متكاملة متواصلة في ما بيننا، فهو يسافر معي في تلك اللحظة. أتذكر في «مسقط» وقوف الجمهور 20 دقيقة للتصفيق بعد انتهاء الحفلة، وهذا دليل على لحظة الانفصال التي أنقله فيها من واقعه إلى عالمي الخاص».

الواقع ساحة معركة والأنا العليا على المسرح
back to top