الشاعرة ريتا عسل حاتم: الرومانسية ملعبي والومضة الشعرية مرآة قصائدي

نشر في 20-10-2017
آخر تحديث 20-10-2017 | 00:00
شاعرة تستلّ لحظات هاربة من عمر الزمن، وترسمها قصيدة لا تتعدى بضع كلمات... فاللحظة بالنسبة إليها تعادل ومضة شعرية والومضة يجب أن تلمع كالبرق... إنها الشاعرة ريتا عسل حاتم التي أصدرت أخيراً ديوانها الجديد «رقص على رؤوس الأقلام»، وهو الثاني بعد «صرخة أنثى» وتحضّر لإصدار ديوان ثالث باللغة المحكية.
بين الشعر الحر والشعر الموزون تتنقل الشاعرة حاتم تاركة للفكرة وحدها فرض الأسلوب، فالمهم بالنسبة إليها التواصل مع القارئ وبثه ما يعتمل في نفسها وفي وجدانها من آلام وآمال وأحلام... متأثرة في ذلك كله بالتراكم الثقافي الذي اكتسبته من مطالعتها لكبار الشعراء في العالم العربي وفي الغرب، وإذا بقصائدها تحفر عميقاً لدى القارئ، لأنها مزيج ثقافي من ذاتها وخصوصيتها ومن ذوات الآخرين من مفكرين وأدباء وحتى من أناس عاديين تستوحي بعض تجاربهم وتعكسها في قصائدها...
الحوار التالي يكشف المزيد من التفاصيل:

عنوان ديوانك الجديد «رقص على رؤوس الأقلام»، هل هو رقص من الألم؟

هو رقص على الألم بأصابع من صبر وإيمان وتفاؤل، يواجه الخريف والريح التي تصفر في نبض خائب، هو نغم يتردد حدّ الذبح، هو أوراق الوجع التي تعلّق خيباتي أعشاشًا حتى أطرافي المتجمدة.

«صرخة أنثى» ديوانك الأول، هل ثمة صدى لصرخة الأنثى في ديوانك الجديد؟

في كل جديد لي صرخة أنثى، تنبض الصرخة الأولى بالوجع والتمرد والثورة، أما في ديواني الثاني فهي صرخة على كل ما هو بالٍ في عقول متحجرة، صرخة حب وجمال وانطلاق إلى مواسم قطاف الحلم. الأنثى بالنسبة إلي ليست طائراً جريحاً يختبئ ويئن وحيداً من الألم، بل هي نسر يحلق في فضاءات لا محدودة، متجاوزاً كل معاناة، ولا تحدّ أي جروح، مهما كبرت، من تحليقه.

حكاية ودهشة

«رقص على رؤوس الأقلام» هل هو مرآة تعكس ذاتك أم عصارة معايشتك تجارب الآخرين؟

الديوان مرآة لروحي وأفكاري ومعتقداتي ولتجارب مررت بها ومرّ بها آخرون، تفاعلت كلها في نفسي وأثمرت قصائد ترمز إلى معانٍ كثيرة باتت منسية اليوم، لا سيما في ما يتعلق بالحب والوفاء والعطاء بعيداً عن الأنانية. قصائدي تحكي حكايتي مع الحياة، منذ ولدت في منطقة جسر الباشا، في ضاحية بيروت الشرقية، وكان منزلنا يطلّ على مناظر جميلة وكانت أحراش المنطقة وأشجار الصنوبر أسياد المكان. كانت أمي وخالي ينصبان لنا المراجيح نلعب ونلعب حتى التعب... ولا نمل. وكنت كالصبية أتسلق اﻷشجار، ولا أعود إلى المنزل إلا والندب رفاقي... وصولاً إلى اليوم. كم أحزن الآن عندما أمر وأرى اﻷشجار أقتلعت واﻷحراش أحرقتها كل تلك اﻷبنية، الحجر تساوى والبشر وباتا يشبهان بعضهما بعضاً.

يتراوح شعرك بين الوزن والقصيدة غير الموزونة، فما الذي يجعلك تختارين بين القصيدة الحرة والقصيدة الموزونة؟

في القصيدة الفصحى لا أعتمد أي وزن، فهي حرّة نثرية غالباً، لكنها مليئة بالصور الشعرية، ورغم ذلك لدي قلّة من القصائد الموزونة، لكني أحبذ الومضة الصادمة التي تجعل القارئ يقول «آه» دهشة، وهذا ما أعتمده في نصوصي. أما القصيدة المحكية اللبنانية فهي موزونة جداً، إذ تعلمت الوزن بناء على رغبة أصدقائي الشعراء، لأنني كنت أكتب قصائد غير موزونة لكنها تحمل ألف دهشة.

هروب من الواقع

يدخل شعرك ضمن الرومانسية، هل تهربين من خلالها من الواقع الذي نعيشه؟

قصيدتي رومانسية تشبهني كثيراً، ولأني امرأة حالمة أعشق الأمل والحب، والحياة هي اختارتني وليس أنا، فهربنا معاً إلى مدن الفرح والأحلام ونسينا الواقع وإن لبعض الوقت.

العالم على فوهة بركان وعلى حافة الهاوية، والشعوب تغلي غضباً من هذا الواقع العصيب. سئم الناس كل ما يمتّ إلى السياسة والحروب والأحزان بصلة، لذلك يلجؤون إلى كل ما ينسيهم مآسي واقعهم. من هنا كتبت القصيدة الغزلية والرومانسية التي باتت أشبه بواحة في صحراء. فالقصيدة الغزلية برأيي ليست ابنة اللحظة فحسب، بل هي ابنة النبض الزمني في العصور كافة.

يتراوح شعرك بين أن يصدم القارئ بفكرة بومضة وبين صور شعرية نابعة من بساطة في التعبير، هل هذه معايير الشعر اليوم بالنسبة إليك؟

أن تكون القصيدة صادمة هنا يكمن الجمال. ليست الومضة سهلة، بل هي من الصعوبة بمكان لأنها مكثفة المعنى، وتحمل صوراً عدة ببضعة أسطر، وقد لا تتعدى السطرين أحياناً. لا أعتمدها لأني أجهل الأوزان الشعرية، بل لأنها، في نظري، أجمل من القصيدة الطويلة التي أملّ منها بعد قراءة البيت السابع أو الثامن.

كيف يمكن التعبير عن عمق المشاعر وتناقضاتها وعن المعاناة بكلمات قليلة؟

هنا يكمن الإبداع، أن تصل الصورة الشعرية والمعاناة والأمل والحزن بأقل سطور ممكنة. يمكن لأي شاعر أن يكتب معلقات ويطيل القصيدة، لكن كتاب وشعراء الومضات قلائل.

هل فكرت يوماً بكتابة قصة قصيرة؟

تراودني هذه الفكرة لكن لم أباشر بها بعد، فأنا أفضّل الشعر النثري الذي لا يتقيد ببحور وقوافٍ. لديّ محاولات قليلة في نظم قصيدة التفعيلة، إلا أنني رغم حبي لها، لا أفكر بوزن الكلمة التي أكتبها. تأتي خواطري سلسة وترسم صورة غزلية من دون سرد أو تقييد. ما إن تخطر الفكرة ببالي أدوّنها على الفور، مهما كان صغيرة.

إلى أي مدى يحضر الخيال في الشعر مع العلم أنه يعكس في الأساس التجارب والمعاناة؟

الخيال هو الملك والوحي، هو تاج القصيدة، دونهما لا دهشة ولا قصيدة، وقد يكون كمن يرصف كلمات وسطوراً بلا إحساس وبلا صورة.

جرأة وتنوع

رداً على سؤال حول تحديدها الشعر الرومانسي اليوم وهل تغيرت معاييره عن رومانسية شعراء النصف الأول من القرن العشرين، الحقبة التي سيطرت فيها على الشعر، توضح الشاعرة ريتا عسل حاتم:

«تطور الشعر كثيراً عبر العصور، في الماضي كان أقرب إلى العذرية مع بعض الشواذات. أما اليوم فالشعراء يتغنون بجسد المرأة، وثمة نساء جريئات في قصائدهن. أنا مع بعض الجرأة بشرط ألا تجرح أذن المتلقي أو تخدش حياء المستمع».

حول القضايا التي تطرقت إليها في شعرها إلى جانب الحب والرومانسية تضيف: «كتبت قصائد عن الوجع وعن الحرب، على غرار قصيدة «الشيطان يختال في دمكم»، وعن واقعنا الأليم. كذلك لديّ قصائد رثاء وأخرى عن الوطن والأخ والناس، وقصائد تنتقد حياتنا السياسية والاجتماعية. لكنّ القصيدة الغزلية ملعبي الذي أرى نفسي فيه».

القصيدة الغزلية ابنة النبض الزمني في العصور كافة

خواطري سلسة ترسم صورة رومانسية من دون سرد أو تقييد
back to top