المشيمة... تبادلات استثنائية بينكما

نشر في 17-10-2017
آخر تحديث 17-10-2017 | 00:02
No Image Caption
طوال فترة الحمل تؤدّي المشيمة دور الغربال، فهي بمنزلة منصّة تبادل بين الأمّ وطفلها: يأخذ الجنين والمغذّيات والأكسجين المتنقّلة في دم الأم عبر الحبل السرّي.
المشيمة عضو مؤقّت يتمتّع بصلاحيّات استثنائيّة. تكثر مهامّها لكنّ دورها الأوّل يبقى التغذية. تشبه الإسفنجة الكبيرة وتكون مليئة بالدماء وبالزغابة (شبكة شرايين وأوردة)، وتتعلق بالرحم وتتّصل بالجنين عبر الحبل السري من خلال وريد وشريانَين. من ثم، تحصل فيها المبادلات كافة بين الأمّ والجنين.

ابتداء من الأسبوع الثامن من الحمل، تبدأ المشيمة بتزويد الجنين بالماء والسكّر والأحماض الأمينيّة والببتايدات والمعادن والفيتامينات والدهون الثلاثيّة والكولسترول. وكونها تسعى إلى إتمام عملها على أكمل وجه، تسترجع فضلات الجنين (اليوريا وحمض اليوريك والكرياتينين) وتلقي بها في دم الأم. كذلك تؤدّي دور كليتي الطفل ورئتيه لأنّها تزوّده بالأكسجين وتصرف عنه ثاني أكسيد الكربون.

جزيئات غريبة

تحمل المشيمة حمضين نوويين، أحدهما يعود إلى الأم والآخر إلى الأب. يتقبّل جهاز الأمّ المناعي هذا العضو الهجين الذي ينفعه، رغم أنه يرفض في الحالات العادية كل غريب عنه. تسهم المشيمة في قبول هذا الدخيل، الذي هو في الواقع الحمل، بما أنّ نصف المولّدات المضادّة لدى الجنين تعود إلى الأب.

يمكن تفسير هذا القبول بطرد هرمونات الأم بعض الكريات البيضاء التي تنشّط الجهاز المناعي. وكون المشيمة «دبلوماسيّة»، فإنها تعمل كحاجز بين جهاز مناعة الأم وبين جهاز مناعة الجنين. كذلك تحقّق إنجازاً عظيماً، وهو التأكّد من عدم اختلاط دمهما أبداً، من ثم تقوم التبادلات عبر جدران الأوعية والزغابة.

هرمونات

تنتج المشيمة أهمّ عناصر الحمل، أي الهرمونات موجّهة الغدد التناسليّة المشيمائيّة البشرِيّة بيتا (GCh-bêta) عبر الأرومة المغذّية، والتي هي بمنزلة «مشروع» للمشيمة. تجري تعديلات في جسم الأم فتعزّز تطوّر حمل سليم. بالإضافة إلى ذلك، يحافظ هرمون البروجسترون على استمرار الحمل ويرخي عضل الرحم، فيما يسهم الإستروجين في تطوير عمل المشيمة والجنين، ويؤدّي هرمونا النمو والإلبان المشيمي أدواراً مهمّةً أيضاً.

حماية من الأمراض

تؤدّي المشيمة دور حاجز يمنع انتقال الأمراض من الأم إلى جنينها، لكن قد يتمكّن بعضها من العبور كالحصبة، والجدري، والفيروس المضخّم للخلايا، والهربس. كذلك يمكن انتقال الإنفلونزا لكنّ عواقب الأخيرة ليست ضخمة على الجنين. أمّا الأمراض الأخرى كالسل، فنادراً ما تتمكن من اجتياز المشيمة، فيما يسهل إصابة الجنين ببعض الأمراض في أواخر فترة الحمل. كذلك يجب الانتباه إلى أنّ مكوّنات السجائر تطاول مولودك المنتظر.

إنذار في اليوم المنتظر

عند انقضاء الشهر التاسع من الحمل، ينتهي أجل المشيمة ولا يعود باستطاعتها توفير الطاقة اللازمة. حان الأوان كي يتنفّس الرضيع ويتغذّى خارج بطن أمّه، ومن دون مساعدة المشيمة التي لم يسبق له أن افترق عنها، فتثبت ولاءها حتّى آخر لحظة وتطلق إنذارات تسهم في بدء عمليّة الولادة.

أدوية

لا تعبر الجزئيات الكبيرة كالهيبارين المشيمة، لذا يمكن لامرأة حامل تعاني تجلّط الأوردة أن تتعالج به، فيما يمرّ الإيبوبروفين عبرها ويجب حظر استعماله لأنّه يعوق تشكيل الجهاز التناسلي لدى الجنين خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. أمّا بعد الشهر السادس، فيؤدّي إلى فشل القلب أو الكلى.

ويُسمح بتناول الباراسيتامول إنما بكمّيّات محدودة ولفترات قصيرة.

تركيبة المشيمة

تتشكّل المشيمة بالكامل في الشهر الخامس، وتبلغ سماكتها 51 إلى 02 سنتيمتراً، وتتضخّم مع انقضاء الأشهر حتى يبلغ وزنها 005 إلى 006 غرام في نهاية الحمل.

طقوس كثيرة

بعد نحو 03 دقيقة من الولادة، تُقذف المشيمة وتَعتبر الأخيرة في فرنسا «نفايات الجراحة». أمّا في أماكن أخرى، فهي توأم الجنين، إذ تتمتّع بالقدرة على إعطاء الحياة (عبر التغذية) أو الموت (عبر النزف). في جنوب إيطاليا، تسمى «مركز الروح». أمّا في مالي ونيجيريا وغانا، فتعدّ نسخةً عن الطفل. ويدفن شعب الماوري في نيوزيلندا المشيمة في فخّارة لربط روح الرضيع بأسلافه .

بدوره يغلّف شعب الأوباندوس في الفليبين المشيمة بأدوات صغيرة فيصبح الطفل عاملاً جيّداً، كما يُقال. أمّا في الولايات المتّحدة الأميركيّة، فيطالب بعض النساء بتجفيف المشيمة من أجل ابتلاعها على شكل كبسولات يُقال إنّها تساعد في الرضاعة وتقوّي الرحم وتخفّف من اكتئاب ما بعد الولادة (ليس لهذه الممارسة أيّ أسس علميّة).

المشيمة تطلق إنذارات تسهم في بدء عمليّة الولادة
back to top