عندما تجتاحنا الريبة... كيف نعيش معها؟

نشر في 14-10-2017
آخر تحديث 14-10-2017 | 00:02
No Image Caption
في حين يزداد العنف والإرهاب اقتراباً منا، تكتب سيان وليامز، مذيعة الأخبار والخبيرة في مجال الصدمات، عن مستقبل تلفه الريبة وعدم اليقين.
لسيان (51 سنة) ابنان بالغان من زواجها الأول وابن (تسع سنوات) وابنة (سبع سنوات) من زوجها الصحافي بول وولويش، فضلاً عن ابنته البالغة من العمر 19 سنة. تعيش العائلة كلها في منطقة كنت في جنوب شرق إنكلترا.
سيعمّ الهرج والمرج عيد الميلاد هذه السنة. أدرك أن هذا ما يعهده معظمنا خلال العيد: أيام قليلة مليئة بالأشجار، والدموع، والضحك، والعناق. يعِد زوجي بول عشاء ضخماً ويمضي ساعات قرب الفرن وهو يحمل كوباً من الشراب الدافئ ويصغي إلى الراديو.

قرب الشجرة، يصطنع الأولاد البالغون الحماسة عندما يحصلون على قطعة ملابس إضافية، في حين يروح «الصغار» يمزقون أوراق الهدايا مع أنهم بالكاد نظروا إلى الهدية التي فتحوها لتوهم. نعم، نعيش كلنا عيد الميلاد السعيد، والفوضوي، والمجنون ذاته. ويجب ألا ننسى المشكلة التي نواجهها هذه السنة، بما أننا نستضيف أولادنا الخمسة ولا نملك سوى سريرين صغيرين.

قررنا أن نمضي عطلة العيد بعيداً عن البيت لأن منزلنا يحتاج إلى إصلاح. والبناؤون... تعرفون كيف تسير الأمور معهم. وهكذا انتهى بنا المطاف نحن السبعة في كوخ صغير في قرية هادئة مساحته ضيقة. نتيجة لذلك، تحوّل الوضع إلى ما يشبه «قدر ضغط» عاطفية. لكننا فرحنا كثيراً بتمضية الوقت مع أولادنا في بيت واحد. أشعر براحة عارمة عندما أنظر حول الغرفة وأراهم جميعاً بأمان.

خوف وإرهاب

حفلت السنوات الماضية بأعمال الخوف والإرهاب. شهدت أوروبا حوادث صادمة: اجتاحت شاحنة حشداً من الناس كانوا يشاهدون الألعاب النارية في نيس، فقتلت 80 شخصاً وجرحت أكثر من ثلاثمئة. كذلك اقتحم الإسلاميون كنيسة بلد فرنسي ونحروا عنق الكاهن المسن. ومع أعمال العنف المريعة، وغير المبررة، والمخيفة هذه، لا تستطيع منع عقلك من الغوص في مئة فكرة وفكرة: هل عائلتي بخير؟ أين أولادي؟

رغم ذلك، يُعتبر احتمال أن تقع ضحية اعتداء إرهابي أمراً ضئيلاً، حتى إن إحدى الدراسات أشارت قبل بضع سنوات إلى أن هذا الاحتمال أدنى من احتمال أن تموت جراء لسعة نحلة.

لكن سلوكنا يتبدّل بعد كل اعتداء. نصبح أكثر تيقظاً، ونبحث باستمرار عن مصادر العنف المحتملة. نشعر بأننا فقدنا السيطرة، مع أننا في الواقع ما كنا نملك أية سيطرة أساساً. ربما يأتي الاعتداء من مختلف الأماكن، ربما ينفذه مطلق إنسان، ويتخذ شتى الأشكال. فكيف نستطيع أن نحمي أنفسنا من أمر مماثل؟ وكيف ننجح في التعايش مع هذا الخوف؟

هذا هو هدف الإرهاب: زرع الرعب وتسميم إحساسنا بالحرية.

توتر وفرضيات

نتيجة لذلك، ننظر إلى الآخرين بريبة. ونزداد توتراً إذا جلسنا قرب إنسان في قطار الأنفاق يحمل حقيبة ظهر. ونسارع إلى طرح الفرضيات إذا كان ينتمي إلى ثقافة مختلفة أو يتحدث لغة نجهلها. تكثر القصص التي يتحول فيها البريء إلى مشتبه به. على سبيل المثال، بعث رجل من أصل عراقي يستعد للسفر بالطائرة من فيينا إلى لندن رسالة نصية إلى زوجته أعلمها فيها أنه سيتأخر. كتب الرسالة باللغة العربية، فأخبر أحد الركاب الطاقم، فطلب من الرجل مغادرة الطائرة، واحتجزته السلطات طوال أربع ساعات. على نحو مماثل، احتُجز عامل في مجال الصحة العقلية كان مسافراً على متن طائرة أخرى بعدما شاهده الركاب وهو يطالع كتاباً عن سورية. علاوة على ذلك، يُصوَّر آلاف المسلمين بصورة خاطئة ويُهمَّشون نتيجة لقلة فهمنا. ولا شك في أن هذا الأمر يعود بفائدة كبيرة على مَن يودون أذيتنا.

«الدولة الإسلامية»

يُدعى «مَن يودون أذيتنا» الدولة الإسلامية. ينسب هذا التنظيم إلى نفسه شتى الفظائع، حتى لو كانت علاقته بها عابرة. وهكذا يحافظ على استمرارية ماكينته الإعلامية المعدة بإتقان. ولكن لا يكون للاعتداء أحياناً أية صلة بنظرتهم المشوهة إلى الدين. كنت أجلس ذات مرة إلى طاولتي في غرفة المكتب عندما لمع تنبيه على شاشة جهازي الكمبيوتر جاء فيه «طعن في ساحة راسل في لندن، مقتل شخص، وجرح عدة، لا تفاصيل إضافية». أوفدنا في الحال فريقاً إلى مكان الحادث وأجرينا الاتصالات لمعرفة ما حصل بالضبط. ولكن طوال عملية تقصي الوقائع هذه، شعرتُ بانقباض خافت في معدتي ومسحة من الخوف الصامت في ذهني. مَن ممن أعرفهم يعمل هناك؟ هل الجميع بخير؟

كان كل مَن أعرفهم بخير. لكن شعور الراحة هذا ينغصه دوماً الإحساس بالذنب. خسر أحد ما شخصاً يحبه إلى الأبد. لم يكن الفاعل من المتطرفين هذه المرة، بل كان شخصاً يعاني اضطرابات عقلية. تساءلت: هل علينا أن نبدأ بالقلق حيال ذلك أيضاً؟ يعاني واحد من كل أربعة منا مشاكل عقلية. فهل نبحث في مَن حولنا ونحاول توقّع مَن يعانون اضطراباً عقلياً خطيراً قد يحوّلهم إلى قتلة؟ كلا بالتأكيد.

رغم ذلك، نميل بطبيعتنا إلى رد فعل مماثل. نحمل في دماغنا جزءاً صغيراً يُدعى اللوزة الدماغية ينبّهنا إلى الخطر والخوف. وعندما نهرب من معتدٍ، تنشط هذه اللوزة مطلقةً فيضاً من الهرمونات. بسرعة! اهرب! اهرب! تجمّد في مكانك! يُعتبر رد الفعل هذا تلقائياً، وآلياً، وغريزياً، ويظهر غالباً عندما نكون في حالة إجهاد شديد جراء خوفنا من اعتداء قد تتعرض له رحلتنا في المدينة أو من رجل مضطرب جالس قبالتنا على متن القطار يحضن حقيبة. يزداد نشاط هذا الجزء من الدماغ بإفراط، فيُسكت القسم المنطقي من الدماغ الذي يأخذ في الاعتبار الإطار العام ويذكرنا بتدني احتمال وقوع اعتداء مخيف أو يقدّم لنا سبباً بديلاً لتوتر هذا الراكب.

نصائح

نعجز عن التفكير بشكل سليم عندما نمر بحالة من التيقظ المفرط، لأننا مبرمجون على الهرب ولأن وظائف اتخاذ القرارات الهادئة في دماغنا تتعطل مؤقتاً. يدعو علماء النفس هذه الحالة «اختلاق الكوارث» لأننا نفكّر في الأسوأ. ولكن ثمة سبيل إلى وقف هذه العملية.

• أولاً، حدد خوفك. يكفي أن تسمِّه بصوت عالٍ أو أن تدوّنه لتنعم ببعض المسافة وتشغّل جزءاً مختلفاً من عقلك يساعدك في التحكم في مشاعرك. قيّم بعد ذلك هذا الخوف. ما مدى احتمال حدوثه؟ ابحث عن تفسيرات أخرى لنوبة القلق المفاجئة التي تملكتك. ربما لا تتوصل دوماً إلى أجوبة، ويستمر إحساسك بالضعف. ولكن إذا نجحت في التفكير في سبب قلقك، تستطيع الاعتناء بنفسك إلى أن تتخطاه.

أصبتُ بالسرطان السنة الماضية وظللتُ أفكر في احتمال ظهوره مجدداً. أذكر أن طبيب الأورام الذي كان يعالجني نصحي: «سيان، إذا انتظرتِ دوماً حدوث الأسوأ، فربما تعيشين الأسوأ اليوم لأن هذا المرض بدّل نظرتك إلى الحياة وإلى نفسك».

• ثانياً، تفاعَلْ مع الخوف. أخبرتني إحدى زميلاتي أنها تفكر كلما قصدت المطار: «نتحول كلنا إلى أهداف هنا». لذلك طوّرت خطة تتبعها دوماً. فيما يتولى موظف المطار التحقق من جواز سفرها وبطاقتها، تروح تفتش عن أقرب طريق للخروج. أضافت: «قد يبدو لك ذلك تصرفاً مجنوناً. ولكن عندما أكتشف السبيل إلى الخروج، أسترخي». أما صديقتها، فزوّدت مربية أولادها بلائحة بما عليها فعله في حال تعرضوا لاعتداء: أين عليها اصطحاب الأولاد ورقم هاتف أقرب مستشفى.

• ثالثاً، مهما كانت الوسيلة المنطقية التي تتبعها في التخفيف من شعورك بالقلق، تمسك بها، وطبقها، وواصل حياتك بشكل طبيعي.

شخّص الطبيب إصابتي بالسرطان قبيل عيد الميلاد قبل بضع سنوات، وكان من المفترض أن أخضع لجراحة استئصال الثديين بعد أسبوع من العيد. رغم ذلك، أمضينا أوقاتاً جيدة. ساعدنا هذا الخبر في تركيز اهتمامنا على «ما المهم» لا «مَن المهم». وأحببت كل لحظة جنون وفوضى. لذلك، مهما كانت الظروف التي تمر بها اليوم، حاول أن تركز على الشعور بالامتنان والسعادة الذي تستمده من وجودك بين أصدقائك وأفراد عائلتك لا على الخوف الذي يولد في داخلك كلما فكرت في احتمال خسارتهم.

وإذا كانت الأعياد تدفعك إلى التأمل والتفكير في أولئك الذين ما عادوا معنا، فربما تحمل إليك كلمات كاهن هندي تقليدي بعض العزاء، تماماً كما حدث معي بعد خسارتي والدتي: «فكر فيّ من حين إلى آخر كما كنت خلال حياتي... وفيما تحيا، لتكن أفكارك مع الأحياء».

سيان وليامز أول سفيرة للصحة العقلية في ITN ومقيمة صدمات محترفة تحمل شهادة ماجستير في علم النفس. نُشر كتابها Rise: Surviving and Thriving after Trauma (النهوض: الاستمرار والازدهار بعد الصدمة) في 29 ديسمبر بغلاف ورقي.

ركِّز على الشعور بالامتنان الذي تستمده من وجودك بين عائلتك وأصدقائك

نحمل في دماغنا جزءاً صغيراً يُدعى اللوزة الدماغية ينبّهنا إلى الخطر والخوف
back to top