المجاملات... كيف تتقبّلها بسلاسة؟

نشر في 11-10-2017
آخر تحديث 11-10-2017 | 00:03
No Image Caption
حين تسمع المجاملات، هل تشعر بإحراج أو ريبة أو انزعاج، أم أنّ كلمات التقدير ترسم ابتسامة لطيفة على وجهك وتؤجج المشاعر الجميلة في داخلك؟
حين يشكرك شخص آخر على مساعدتك، أو يعبّر عن امتنانه لكلماتك أو أفعالك اللطيفة، أو يشيد بك بسبب عمل معيّن أو ميزة فيك، هل تسمح لنفسك بأن تتأثر بكلماته العميقة أم تمرّ مجاملاته مرور الكرام لأنك معتاد على صدّ المظاهر الإيجابية التي تصادفك؟
لا يتشجّع معظمنا على تقبّل المجاملات بسلاسة، فقد تعلّمنا أن الاستمتاع بالمشاعر الإيجابية التي تنشأ حين نجد من يهتمّ بنا ويقدّرنا ينمّ عن أنانية فائقة. نسمع دوماً عبارات على الشكل التالي: «لا تسمح لغرورك بالسيطرة عليك! لا تعتدّ بنفسك! كن متواضعاً!».

تتأثر المجاملات للأسف باعتبارات مبنية على الخوف أو الخجل: «هل سيظن الناس أن غروري فائق؟ هل أستحق هذه الكلمات اللطيفة؟».

من الطبيعي أن يرغب البشر في إيجاد من يلاحظهم ويقدّرهم، فنحن نحتاج إلى جرعات متكررة من التقدير كي نتطوّر، فيما ينشأ جزء من الاكتئاب والقلق بسبب غياب التقدير في حياتنا.

قال الفيلسوف وعالِم النفس ويليام جيمس إن «أعمق مبدأ في الطبيعة البشرية هو التوق إلى إيجاد من يقدّرنا». حين نمنع نفسنا من تلقّي كلمات التقدير بطرائق بسيطة، قد يتحوّل حرمان الذات من التقدير إلى رغبة فائقة في سماع تعابير الإشادة والتزلف. ربما نبحث عن السلطة والامتيازات والمال كطرائق بديلة لحصد التقدير أو إخفاء الشعور بالخجل.

حين تصبح فناناً بارعاً أو تصل إلى أعلى المناصب التنفيذية أو الرئاسية، تشعر بتقدير فائق لكن لن يمنحك هذا الوضع ذلك الشعور الحميم الذي يطبع التقدير المتبادل والتواصل المباشر الذي يُغنيك. سيدفعنا الغرور المقموع إلى شكل من العزلة المخدِّرة والمريحة، فيبعدنا عن إنسانيتنا ويمزق النسيج الحساس الذي يضمن تماسك المجتمع.

حين نسمح لنفسنا بتلقي عبارات الإطراء والتقدير وتقبّلها، نكون أتقنّا فناً رفيعاً وعميقاً. من خلال تقبّل مجاملة بسيطة واستيعابها، يمكن أن نُغني أيامنا ونُحسّن نوعية حياتنا.

إليك بعض الخطوات التي يمكنك تجربتها حين يجاملك الآخرون:

تنفّس بعمق

نبقي عبارة التقدير التي نتلقاها في رأسنا غالباً. يمنعنا بعض الردود («لم أقم بأمر مهم» أو «لا مشكلة») أو الكلام الذاتي («لو كانوا يعرفونني جيداً، لما قالوا هذا الكلام!») من تقبّل المجاملة بسلاسة. بل إننا نرتبك أو ننسحب أو نغيّر الموضوع لتجنب الإحراج في لحظات مماثلة.

يسمح لنا التنفس الواعي بنقل الفكرة من رأسنا إلى جسمنا، ما يساعدنا على الابتعاد عن المخاوف والاعتبارات التي تُشتّت عقلنا. حين نركّز على داخل جسمنا، سنصل إلى مكان يخوّلنا أن نتلقى المجاملة ونتقبلها ونسمح لها باختراق عظامنا وأنسجتنا.

لا تبالغ في تحليل المجاملة

لتلقي المجاملة بشكل سليم، يجب ألا تبالغ في تحليلها. لا تُعقّد الوضع عبر التساؤل عن معناها أو عن وجود نوايا خفية خلفها. تكون هذه التساؤلات غير مثمرة غالباً. لذا تقبّل الكلمات كما هي واسمح لنفسك بأن تستمتع بها.

لا يعني ذلك أن تبالغ في حماستك أو تعتبر الشخص الذي يجاملك صديقك المفضّل الجديد. ستحتاج دوماً إلى الوقت كي تتعرّف إلى الناس. لكن يكون الشعور بالتقدير أحد العوامل التي تضمن نجاح العلاقات.

يمكن أن نزيد قدرتنا على تلقي المجاملات بسلاسة وسعادة تدريجاً من دون أن نبالغ في التركيز على هذه المسألة. يجب ألا نعيش بانتظار تقدير الآخرين لكن يجب أن نتقبل ذلك التقدير حين نتلقاه.

ابقَ داخل جسمك

يتطلّب عيش اللحظة البقاء داخل الجسم وخارج العقل! لاحِظ كيف تشعر في داخلك حين يعبّر شخص آخر عن امتنانه تجاهك. هل هو شعور دافئ ومتوهّج؟ أم أنه شعور مزعج لأنك قد لا تكون معتاداً على تقدير الآخرين؟ هل تشعر بتشنج في معدتك أو بضيق في صدرك؟ ربما تلاحظ أنك تشعر بالعار أو الخجل حين تسمح لنفسك بالاستمتاع للحظة. دع تلك المشاعر كلها تتدفق وتقبّل كل ما تلاحظه بسلاسة. إذا كان الشعور ممتعاً، حاول أن تمرّره في كيانك كله من دون أن تتساءل إذا كنت تستطيع تصديق تلك المجاملة أو تشعر بأنك مضطر إلى ردّها. يمكنك أن تقول «شكراً» بكل بساطة بعد السكوت لبرهة كي تسمح لنفسك باستيعاب المجاملة.

دع المجاملة تتغلغل في داخلك

حين تسمح للمجاملة بأن تتغلغل في جسمك، تُشفى من تراجع تقديرك لنفسك. ستصبح أقل عرضة للانعزال وأكثر ميلاً إلى الاستمتاع بالحياة حين تجيد قول المجاملات البسيطة وتلقّيها.

تقضي ممارسة مثيرة للاهتمام في مجال الاسترخاء الذهني بملاحظة ميل الآخرين إلى تقدير قيمتنا، سواء اقتصرت المجاملة على كلمة لطيفة من شخص غريب، أو إطراء صادق من شريك أو صديق. إلى أي حد تستطيع استيعاب المجاملة؟

الإنسان كائن اجتماعي يُطوّر شعوره الذاتي عبر تقدير الآخرين. ويعتبر علم النفس الإيجابي أن تلقي التهنئة يُحسّن شعورنا بالراحة ويسمح بتحفيزنا.

أهمية تقدير الذات

يجب أن نتذكر أهمية تقدير الذات حين لا نتلقى التقدير من الآخرين. يؤدي توقّع المجاملات أو البحث عنها إلى الشعور بإرهاق متواصل ونشوء مشاعر الاستياء. لكن تحمل المجاملة ميزة مفيدة حين نتلقاها عفوياً، مهما بدت بسيطة. في هذا السياق يقول رالف والدو إيمرسون: «علامة الحكمة الثابتة تكمن في رؤية المعجزات في القواسم المشتركة».

إذا شعرتَ بأنك محروم من المجاملات، حاول أن تجامل الآخرين بسخاء. في عام 1855، ذكر رالف والدو إيمرسون في رسالة مدهشة كتبها إلى الشاب والت وايتمان: «حرصتُ في السنة الماضية على إرسال ملاحظات تقدير إلى غرباء، من كتّاب وفنانين ومبدعين متنوعين، لأن أعمالهم أثرت بي بطريقة معينة، وأشرقت أيامي بفضل تلك المبادرة. تبادل هذه الرسائل الصغيرة التي تُذكّرنا بإنسانيتنا عمل منعش ومدهش بالنسبة إلى الناس الفانين العاديين، تحديداً في الثقافة التي يكون فيها النقد أسهل من الإشادة».

باختصار، يعطيك تقدير الآخرين شعوراً إيجابياً ويؤدي إلى تدفق مجاملات إضافية تجاهك!

نحتاج إلى جرعات متكررة من التقدير كي نتطوّر

جزء من الاكتئاب والقلق ينشأ بسبب غياب التقدير في حياتنا
back to top