الشعور بالفراغ... حين تجهل ما خطبك!

نشر في 10-10-2017
آخر تحديث 10-10-2017 | 00:02
No Image Caption
حين تشعر بأن شيئاً ما فُقد في داخلك؛ وبانفصال عن الذات والآخرين؛ وبخدر؛ فأنت تمرّ بحالة الشعور بالفراغ، التي تُتَرجم جسديّاً أيضاً أحياناً بإحساس بفراغ في معدتك وصدرك وحلقك وأجزاءٍ أخرى من جسمك.
الفراغ النفسي ليس مصطلحاً شائعاً سواء في عيادات المتخصّصين بالصحّة العقليّة، أو في المجتمع، وليس موضوعاً يتناوله الناس في أحاديثهم. رغم هذا، مرّت عليّ 25 سنة من الخبرة كمعالجة نفسيّة التقيت خلالها كثيرين حاولوا التعبير لي بطرائق عدة عن هذه الحالة التي يمرّون بها.

تمكّن قليلون من وصف حالتهم، وكنت غالباً أقدّر بنفسي ما يمرّون به وأزوّدهم الكلمات المناسبة. في كلّ مرّة، كان ذلك يزيل الحمل عن كاهلهم. فتسمية الأمور بأسمائها تشفي المرء وتربط الوقائع ببعضها بعضاً، من ثم يعرف ما هو الشعور غير المحدّد الذي يعانيه والذي راوده سنوات عدة.

يعطي تحديد الأمور بأسمائها فهماً وأملاً للمرضى، ويعبِّد الطريق نحو الحلّ. أعتقد أن الشعور بالفراغ النفسي قد يمرّ من دون أن نلاحظه أو نعرفه أو نحدّده، والسبب يكمن في أنّ الفراغ النفسي ليس شعوراً حقيقيّاً؛ بل هو غياب الشعور.

نعجز كبشر عن ملاحظة الأمور الغائبة أو تحديدها أو مناقشتها، ونواجه صعوبة في التعبير عن مشاعرنا. وغياب المشاعر يبدو غامضاً للغاية، فهو لا يُتخيّل ولا يُرى؛ أي أنّ استيعابه يبقى أمراً في غاية الصعوبة.

لهذا السبب، يعيش كثيرون مع هذا الشعور بشكل متقطّع خلال حياتهم، ولا يعرفون أنهم يمرّون بهذه الحالة، فضلاً عن أنّهم يجهلون ما هي. كلّ ما يدركه هؤلاء في هذا الشأن شعورهم «بأنّهم منطفئون»، ومختلفون عن بقية الناس بطريقةٍ يعجزون عن تفسيرها. قال لي أحدهم: «أشعر بأنّني ممثّل صغير في فيلم عن حياتي». وذكر آخر: «أشعر بأنّني في الخارج أتفرّج على الناس في الداخل يعيشون حقّاً حياتهم».

الأسباب

ينشأ أطفال وسط عائلات لا تعترف بالمشاعر ولا تقدّرها أو تعيرها الأهمية الكافية، فيتلقّون رسالة قويّة: مشاعرهم مرفوضة، أو ليست مهمّة أو مقدّرة من الآخرين. يتعلّمون ضرورة تجاهلها، أو دحضها، أو تقليل قيمتها، أو إبعادها.

بالنسبة إلى بعض الأطفال، تتغلغل هذه الرسالة في جوانب الحياة العاطفيّة كافّة، في حين أنّها تؤثّر في بعضٍ منها لدى آخرين. وفي الحالتين، ينقطع الطفل عن مشاعره ويدفعها جانباً ويقلّل من أهميتها لأنّها في النهاية عديمة الفائدة وسلبيّة ومرفوضة، بحسب ما تعلّم.

يتكيّف الطفل مع هذه الطريقة لأنها تساعده ليرتاح في بيئته العائليّة. لكنّه يضحّي من دون علمٍ بأعمق جزءٍ شخصيٍّ وبيولوجيٍّ في ذاته: مشاعره. بعد سنواتٍ يكبر، ويدرك غياب هذا الجزء الأساسي منه، فيشعر بفجوة في مكان تسدّه المشاعر عادةً، ويراوده شعور بالانقطاع عن العالم وعدم تحقيق الذات والفراغ النفسي.

العلاج

لاحظتُ خلال سنوات أن الأشخاص الذين يعانون هذا الفراغ النفسي هم إجمالاً «محامو دفاع» يهتمّون بالآخرين أكثر من أنفسهم، ويرسمون الضحكة على وجوههم وينطلقون لمواجهة العالم، ولا يكشفون عمّا يجول في داخلهم، بل يستخدمون فراغهم النفسي ليتابعوا حياتهم.

أطلقتُ تسمية «التجاهل العاطفي في مرحلة الطفولة» (Childhood Emotional Neglect) على عمليّة تطوير الفراغ النفسي. لكن إليك الخبر السارّ: بمجرّد أن تكتشف أنّك تعيش هذه الحالة، يمكنك الشفاء منها. يمكنك البدء بإعطاء نفسك الاهتمام العاطفي الذي لم تلقه في طفولتك، ثمّ تتقبّل مشاعرك على أنها تعبير عن حقيقتك بدل اعتبارها خطأ ودليل ضعف ومصدر عار.

ابدأ بالتنبّه إلى رغباتك واحتياجاتك ومتعتك، وارفع صوتك وطالب بها. تريد هذا كلّه لنفسك، وتريد المزيد. تأخّرت. والآن حان الوقت، فأنت تستحقّ ذلك.

أعطِ نفسك الاهتمام العاطفي الذي لم تلقه في طفولتك
back to top